فيما يتعلق بسياسة المالية العامة، يمكن أن تنطوي تحويلات العاملين على إيجابيات وسلبيات بالنسبة إلى البلد الذي يستقبل تدفقات كبيرة ومطردة عبر الفترات الزمنية المختلفة. فهذه التحويلات تعمل بشكل مباشر على توسيع القاعدة الضريبية، ما يسهل على البلدان الحفاظ على استمرارية أوضاع ماليتها العامة، أي أنها تتجنب الوصول إلى وضع يتصاعد فيه الدين العام دون توقف. غير أن تحويلات العاملين يمكن أن تؤدي أيضا إلى تحول غير مرغوب في المسلك الحكومي. أولا، يمكن أن يؤدي اتساع قاعدة الإيرادات ذاته إلى تشويه الحوافز الحكومية، ما يخفض تكاليف الإنفاق المهدر للموارد، وهي نتيجة تحمل بعض المفارقة. وثانيا، يؤدي الدخل التكميلي الذي توفره تحويلات العاملين لأسرهم، إلى زيادة قدرة هذه الأسر على شراء سلع بديلة للخدمات الحكومية ويقلل لديها الحافز لمساءلة الحكومة. تفترض معظم الدراسات التي تتناول تحويلات العاملين، أن هناك نظاما ماليا كفؤا وآلية عاملة لانتقال تغييرات السياسة النقدية، وهي ظروف قد لا تتوافر في تلك البلدان على أرض الواقع. بعبارة أخرى، تفترض الدراسات أنه عندما يغير صناع السياسات سعر الفائدة الأساسي، ينتقل هذا التغيير فعليا إلى أسعار الفائدة الأخرى في الاقتصاد، ما يؤثر بالنهاية في سلوك الوسطاء الماليين المتعلق بالإقراض وقرارات الإنفاق من جانب الأسر والشركات. وقد بحثنا فيما إذا كان ذلك ممثلا بالفعل لبيئة السياسة النقدية السائدة في أكبر البلدان المتلقية للتحويلات. فغياب آلية الانتقال في البلدان المتلقية من شأنه إيجاد صعوبة إضافية أمام صناع السياسات في إدارة سياسة نقدية مستقلة واستشرافية باستخدام أداة سعر الفائدة "دراسة Barajas and others 2016". وبالنسبة إلى البلدان منخفضة الدخل، هناك أدلة متزايدة على أن انتقال تغييرات السياسة النقدية أضعف بكثير مما هو الحال في الاقتصادات المتقدمة. وقد تكون هناك مجموعة متنوعة من قنوات الانتقال العاملة، لكن "دراسة Mishra, Montiel, and Spilimbergo 1012" تذهب إلى أن ضعف تطور سوق الأوراق المالية، وعدم الاندماج الكامل في الأسواق المالية العالمية، وأسعار الصرف المدارة بشدة، من المرجح ألا تترك للبلدان الفقيرة إلا قناة واحدة يمكن استخدامها، وهي قناة الإقراض المصرفي. ذلك أن التغير في سعر الفائدة الأساسي ينتقل عبر أسواق الأوراق المالية قصيرة الأجل، ما يؤثر بالنهاية في التكلفة الحدية للتمويل المصرفي، وبالتالي قدرتها على إقراض الكيانات الخاصة، سواء كانت أشخاصا أو شركات. غير أن قناة الإقراض المصرفي نفسها قد يلحق بها الضعف الشديد إذا كانت المنافسة المصرفية ضئيلة، وجودة المؤسسات ضعيفة، وأسواق المعاملات بين البنوك غير متطورة، ومعلومات الجودة الائتمانية للمقترضين غير متاحة. وتتضافر هذه العوامل لتحول دون انتقال تحركات سعر الفائدة الأساسي قصير الأجل إلى تكلفة التمويل المصرفي. كذلك، فإن تحويلات العاملين، وهي لا تقتصر على الاقتصادات منخفضة الدخل، إنما تشيع في مجموعة متنوعة من الاقتصادات متوسطة الدخل واقتصادات الأسواق الصاعدة أيضا، يمكن أن تؤثر في إدارة السياسة النقدية بطريقتين. الأولى، تؤدي هذه التحويلات إلى توسع الميزانيات العمومية للبنوك من خلال كونها مصدرا مستقرا للودائع لا ينطوي على تكلفة في الأساس - نظرا إلى عدم تأثرها - في الأغلب - بتغيرات أسعار الفائدة. وإذا تساوت كل الظروف الأخرى، يلاحظ أن البلدان المتلقية غالبا ما تمتلك نظما مصرفية أكبر. وبالتالي، نظرا إلى أن ودائع التحويلات تزيد حجم الوساطة المالية "وهي العملية التي تقوم بها البنوك للتوفيق بين المدخرين والمقترضين"، فربما يتوقع أن تسهم تحويلات العاملين في تعزيز انتقال تغيرات السياسة النقدية. وفي نهاية المطاف، كلما زاد استخدام الخدمات المالية عبر الاقتصاد، زادت قوة الأثر المتوقع لتقلبات الائتمان المصرفي في النشاط الاقتصادي. من ناحية أخرى، رغم أن البنوك قد تحصل عاما تلو الآخر على قدر كبير من التمويل الإضافي شبه الخالي من التكلفة بفضل تحويلات العاملين المودعة لديها، فإن ذلك لا يعني أنها ستعمد إلى زيادة القروض المقدمة للقطاع الخاص بالمقدار نفسه. فعلى غرار الاقتصادات في معظم العالم النامي، كثيرا ما ترزح الاقتصادات المتلقية للتحويلات تحت وطأة بعض المشكلات، منها ضعف البيئة المؤسسية والتنظيمية وندرة المقترضين ذوي الجدارة الائتمانية. والواقع أن تدفق هذه التحويلات، كما أشرنا، قد يكون له دور في إضعاف الحوكمة. فهذه البيئة الإقراضية الهشة تضعف إقبال البنوك على الإقراض، إلا لمجموعة محدودة جدا من المقترضين "المؤهلين"، وهي حالة من الإعراض لا تسهم الأموال الإضافية القابلة للإقراض بأي دور في مواجهتها. وبالتالي، تميل البنوك في البلدان المتلقية إلى الاحتفاظ بنسب من الأصول السائلة، والاحتياطيات الزائدة، والأوراق المالية الحكومية، تتجاوز ما تحتفظ به البنوك في البلدان غير المتلقية. ونتيجة ذلك، نظرا إلى فيض السيولة لدى البنوك، لا تنشأ سوق بين البنوك - تقترض فيها المؤسسات احتياجاتها من الأموال قصيرة الأجل من المؤسسات التي تمتلك أرصدة فائضة. ولأن سعر الفائدة الأساسي يصمم على نحو يستهدف التأثير في تكلفة التمويل الحدية التي تتحملها البنوك، فإن أثر تحركات سعر الفائدة الأساسي يقل أو يختفي إذا لم تكن هناك سوق فعلية للمعاملات بين البنوك، وهو ما يتسبب في إضعاف قناة الإقراض المصرفي.
مشاركة :