بشأن الحفاظ على استقرار الأسعار، فيسعى معظم البنوك المركزية إلى إبقاء التضخم عند معدل ثابت، يعرف باسم "الهدف". وفي الأغلب ما تصبح توقعات التضخم تضخما فعليا، لذلك من مصلحة البنك المركزي إدارة توقعات التضخم وإبقاؤها قريبة من هذا الهدف قدر الإمكان. وبعبارة أخرى، ترغب البنوك المركزية في الحفاظ على "ثبات" توقعات التضخم عند الهدف لتحقيق هدفها الأساسي وهو استقرار الأسعار. وتدرك البنوك المركزية أن تثبيت توقعات التضخم على المدى القريب أمر مستحيل عمليا لأن معظمها نتاج الأحداث الأخيرة، مثل الفيضانات أو الجفاف الذي دمر محصولا ما وأدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء. وبدلا من ذلك، تركز البنوك المركزية على إدارة توقعات التضخم على المدى المتوسط، أي خلال عامين إلى ثلاثة أعوام عادة. وهذا هو "أفق السياسة" الذي يمتلكون خلاله الأدوات التي يمكن أن تؤثر في التضخم. وإذا كان التضخم أعلى من الهدف، يمكن للبنك المركزي رفع سعر الفائدة الأساسي قصير الأجل، وكذلك التأثير في أسعار الفائدة الأطول أجلا لزيادة تكلفة الاقتراض على الأسر والشركات. فارتفاع تكلفة القروض يؤدي إلى ارتفاع تكلفة إنفاق الناس. وسيؤدي ذلك إلى تخفيض الطلب، وبالتالي إبطاء التضخم، وستنخفض توقعات التضخم. وهناك طريقة أخرى للتأثير في توقعات التضخم خلال أفق السياسة، وذلك من خلال الإفصاح الذي يعطي إشارات حول الاتجاه المستقبلي للسياسة النقدية. وأصبحت أداة الإفصاح، المعروفة باسم "الإرشادات الاستشرافية"، منتشرة على نطاق واسع عندما ظلت أسعار فائدة عديد من البنوك المركزية صفرية أو قريبة من الصفر بعد مرور عقد أو نحوه على انتهاء الأزمة المالية التي وقعت في 2008 ـ 2009. وأحجم عديد من البنوك المركزية عن دفع أسعار الفائدة الأساسية إلى مستويات سالبة. حتى عندما كانت أسعار الفائدة الأساسية سالبة، قامت البنوك المركزية بتحسين الإفصاح عن السياسة المستقبلية لتحفيز الطلب ودفع توقعات التضخم إلى الارتفاع مجددا نحو الهدف. وبشأن مصداقية البنك المركزي فليس من السهل تثبيت توقعات التضخم. ولنتخيل موقفا تكون فيه توقعات التضخم أعلى من الهدف، ويقوم البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة بدلا من رفعها. ففي هذا السيناريو، تصبح القروض أرخص، ويزدهر الطلب، ويتم دفع الأسعار إلى مستوى أبعد عن الهدف. وسيدرك الناس أن البنك المركزي غير جاد في أداء مهامه المتعلقة باستقرار الأسعار. لذلك، عندما يسأل الناس عن توقعاتهم للتضخم، فمن المرجح أن تنطوي إجاباتهم على أرقام أعلى من الهدف. ونظرا إلى أن التضخم المتوقع في الأغلب ما يصبح تضخما فعليا، سيؤدي ذلك إلى إبقاء التضخم عند مستوى أعلى من الهدف لفترة أطول بكثير ـ وهي تكلفة افتقار البنك المركزي للمصداقية. ولننظر بدلا من ذلك في حالة بنك مركزي يتمتع بالمصداقية ويلتزم التزاما قويا بتحقيق استقرار الأسعار. فحتى إذا انحرف التضخم عن الهدف، يعتقد الناس أن البنك المركزي سيقوم بما هو مطلوب لاستعادة استقرار الأسعار. ونتيجة لذلك، قد لا يغير الناس توقعاتهم للتضخم خلال أفق السياسة الذي يمتد من عامين إلى ثلاثة أعوام. إن تحقيق هذه الدرجة من المصداقية يستغرق وقتا وليس بالأمر السهل دائما. ويتعين على البنك المركزي أن يتحرك باستمرار بما يتماشى مع مهامه المتعلقة باستقرار الأسعار حتى يرى الناس أنه مستعد دائما للحد من أي تباعد في توقعات التضخم عن الهدف. وفي بعض الحالات، يمكن أن ينطوي ذلك على مفاضلات صعبة، مثل رفع أسعار الفائدة للحد من ضغوط الأسعار ـ حتى عندما يكون الاقتصاد ضعيفا والبطالة آخذة في الارتفاع، على سبيل المثال. ومع ذلك، بمجرد تثبيت توقعات التضخم بشكل آمن، يمكن للبنك المركزي أن يكون أقل صرامة بكثير، ويظل بوسعه تحقيق استقرار الأسعار. وأي زيادة أو انخفاض في توقعات التضخم عن الهدف ستصحح نفسها غالبا، كما ستتلاشى نوبات التضخم بشكل أسرع ـ وهي ميزة لبنك مركزي يتمتع بالمصداقية. وهذا بدوره يتيح للبنك المركزي تركيز السياسة النقدية على تحقيق الأهداف الثانوية، مثل تحفيز النمو الاقتصادي والتوظيف. ورغم أهمية أرقام التضخم التي تقرأ عنها في الصحف كل شهر، إلا أنه ربما تكون توقعات التضخم أكثر أهمية لآفاق الاقتصاد والاتجاه المستقبلي لأسعار الفائدة.
مشاركة :