سألني صديقي الياباني عن سرِّ اهتمام المملكة بسورية، ولبنان، منذ أن أرسى قواعدها الملك المؤسِّس عبدالعزيز آل سعود، ومواصلة أنجاله الملوك الذين تولّوا الحكم من بعده العمل على توطيد العلاقات، وتمتينها مع هذين البلدين العربيَّين! وعن مُبرِّر تقديم الملك عبدالله -يرحمه الله- ثلاثة مليارات دولار لتجهيز الجيش اللبناني، ومليارًا آخر لقوَّات الأمن الداخلي، مع أنَّ «حزب الله» طائفيُّ النزعة، وصفويُّ الهوى، يبث سموم الحقد والكراهية ضدَّ المملكة منذ أن غدر هذا الحزب بالرئيس الشهيد رفيق الحريري. لم أستغرب سؤال الصديق لمعرفتي باهتمامه بقضايانا عامَّة، والمملكة خاصَّة، أجبتُ بأنَّ بلاد الشام هي الرئة التي تتنفَّس منها جزيرة العرب منذ القِدَم. وقد كانت منذ فجر الإسلام، الرائدة علمًا وأدبًا، ومنها قَدِم إلى الرياض قبل قرن من الزمن العديد من المستشارين الذين ساهموا في وضع لبِنَات قواعد بناء المملكة الحديثة. وللبنان وضع مميَّز باعتباره نافذة العالم العربي على الغرب. ومن ميناء بيروت كانت تصلنا البضائع على تعدُّد أنواعها ومصادرها. وفي جامعاتها ومعاهدها تلقَّى العديد منَّا مؤهِّلاتهم العلميَّة. ولكون سورية ولبنان المصيف الذي قصد أغلبنا ربوعه على مدار السنين. أمَّا الملك المؤسِّس -طيَّب الله ثراه- فقد كان اختياره الشيخ عبدالعزيز بن زيد سفيرًا له لدى دمشق، وبيروت معًا قرارًا سديدًا لما كان يتمتَّع به الشيخ الزيد من حنكة، وكفاءة، ومقدرة دبلوماسيَّة راقية، ولما أنجزه من وضع أسس للعلاقات الأخويَّة الوديَّة بين المملكة والبلدين الشقيقين، وتوالى سفراء المملكة لدى العاصمتين دمشق وبيروت لتمتين روابط الأخوَّة التي تجمعنا بغضِّ النظر عمَّن يتربَّع على سدَّة الحكم في كلٍّ من بيروت ودمشق. فتقارب الشعوب العربيَّة بأواصر الأخوَّة كان -ولا يزال- هاجس الرياض. ومع أنَّ القيادة السعوديَّة قد تحلَّت بصبر أيوُّب لسنوات عديدة، وأبقت على المبادئ والأسس التي انتهجتها ولم تزل، كان لابدَّ من إعادة النظر في متغيِّرات السياسة إزاء نكران جميل طاغية دمشق، بعد كلِّ ما قُدِّم لوالده من قبل، وله من بعد، في بدايات حكمه من عونٍ ودعم، إلى أن طغى وتجبَّر، واستعان بالفرس أوَّلاً، ثمَّ بالروس ثانيًا لتصفية معارضيه، بعد أن باع ضميره وبلده لملالي إيران، وحزب الله اللبناني الذي كوَّن دولة ضمن دولة متحكِّمًا بالعباد، ومعطِّلاً مقعد رئاسة الجمهوريَّة، ومقيِّدًا عمل الحكومة لتمكين إيران من بسط نفوذهم في سورية ولبنان، وتصفية أهل السنَّة والجماعة. وقد لفَّق الحزب وأعوانه الإشاعات للنَّيل من سمعة المملكة، وتوظيف وزير الخارجيَّة العوني لاتِّخاذ مواقف مخجلة في المحافل السياسيَّة ممَّا استدعى القيادة السعوديَّة لإعادة تقييم سياستها في سورية ولبنان، مع الحرص على كرامة الشعبين السوري واللبناني الشقيقين ومصالحهما. ولأنَّ في السياسة لا شيء ثابت، وافقني الصديق على المتغيِّرات السعوديَّة، وأكَّد على الثوابت التي أرست المملكة دعائم الحكم والشرع عليها، فالحق باقٍ والباطل زاهقٌ.
مشاركة :