المتابع للشأن العام يعلم أن أغلبنا لا يملك ثقافة الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية، خصوصا في السنوات الأخيرة التي ساد فيها فن التجريح والإهانة والانتقام ورفض الآخر وتشويه سمعته، وتلفيق الإشاعات ضده، واتباع نظرية من ليس معنا فهو ضدنا، ومن يخالفنا فهو عدونا، ومن لا يؤيدنا يجب إقامة الحد عليه وإعلان الحرب ضده، والنيل منه ومن أسرته وأقاربه وكل من معه. من المؤسف جدا أننا وصلنا إلى هذه الحال، وبلغت ثقافة الكراهية والفجور في الخصومة حداً لا يطاق من التطرف والتحريض والانتقام والكره، وفقدنا الأخلاق وشرف الخصومة وثقافة الرأي والرأي الآخر، وطغى كل ذلك على سلوكنا العام، وأصبحنا لا نخجل من إظهاره للعلن، وكأننا نريد من الأجيال القادمة أن تسير على النهج ذاته الذي، إن استمر، سيحرق كل شيء جميل من ماضينا الذي كنا نتفاخر به. ولا يمكن بحال من الأحوال أن نحمل المواطنين هذا الإسفاف في الطرح والاختلاف الذي بلغ ذروته، لكن علينا أن نعرف حقيقة هذه الثقافة الدخيلة على مجتمعنا، التي رسخها ودعمها بعض الساسة المنحرفين لخدمة أجنداتهم من خلال تجنيدهم أشخاصا عدة منهم من هو سياسي «نائب» ومنهم من هو أكاديمي أو مثقف أو إعلامي أو رجل دين أو غيرهم، استغلوا مساحات التواصل الاجتماعي ليبثوا سموم الخلافات العبثية من خلال نشر ثقافة إن لم تكن معي فأنت ضدي، الأمر الذي جعل الاختلاف خلافا وفجورا بالخصومة، والرأي المختلف عداء يجب محاربته وتسفيهه وتشكيل فرق مختلفة أشبه بالعصابات لبث الإشاعات والتهم بقصد الإساءة للطرف الآخر حتى فرضوا واقعا جديدا يشبه فريقين في حلبة مصارعة رومانية، المنتصر فيها قاتل. ولأن هذا النهج كارثي ومدمر فإن نتائجه ستؤثر علينا جميعا حتى على المستوى العائلي، خصوصاً أن الاختلاف فطرة طبيعية للإنسان، والآراء تختلف، وقراءة الأحداث تتغير وفق مفهوم العقول لها، لذلك سنعيش في أزمة كارثية إن استمر هذا النهج وبهذه الطريقة، فنظرية إن لم تكن معي فأنت ضدي ستخلق عداوات مدمرة، وستقسم المجتمع قسمين متناحرين، كل يبحث ويعد العدة للنيل من الآخر، وسيضطر الغالبية التي لم تدخل هذا الصراع للعزلة والصمت، وقد يأتي اليوم الذي تجبر على حشرها في هذا العبث. يعني بالعربي المشرمح: إن نجح الفريقان المتصارعان في إقحامنا بمشروعهما «إن لم تكن معي فأنت ضدي» فلن تنعكس نتائجه على طرفي الصراع فقط، بل على المجتمع بمجمله وعلى الدولة بكل مؤسساتها، لذلك علينا وعلى الحكومة والمجلس الإسراع في وقف هذا الصراع وهذه الثقافة من الانتشار، وفرض قوانين صارمة لمحاربتها ومعاقبة من يبث روح العداء والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد، كما يجب غرس مبادئ التسامح وقبول الآخر والاختلاف كنهج للتعايش الراقي والمشترك، وإهمال ما يحصل، ونراه بهذه الطريقة العبثية سيجلب لنا جيلا لا يعرف التسامح ولا يتقبل الآخر، الأمر الذي علينا أن نعيه ونعمل على تداركه قبل فوات الأوان.
مشاركة :