كنت عابرة على أحد الطرقات فرأيت ورقة سقطت من أحد الأشجار على جانب الطريق وكانت سهلة ومرنة مع الرياح وعند وصولها إلى الأرض تفتت وتنأثرت أجزائها، دهشت من المنظر وتبادر إلى ذهني أيام عمري التي تمضي سريعاً دون أن أشعر، كنت بالأمس اهنئ بالعام المنصرم واليوم أودعه، أنها سنابل عمري تنذر بالرحيل.... فأعتبرت أن من جعل الآخرة همه فيعمل لها وكأنه يراها رأي العين فيجمع الله شمله ويجعل غناه في قلبه وتأتيه الدنيا وهي راغمه،(مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).... بالاعتبار يحيا الإنسان حياة كاملة لأنه يسدُّ خللها ويجبر كسرها ويكمل نقصها، فإذا نسى الإنسان فليس للنسيان علاج إلا التذكير بالاعتبار (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) وكان صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة ما بين الحين والحين، وأهل الاعتبار في القرآن هم الذين اتصفوا بثلاث صفات: أهل الخشية (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) هم الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة وهم من الساعة مشفقون، وهم خير البرية، وهم العلماء العاملون قلوبهم وجلة وجلودهم مقشعرة وعيونهم تذرف بالدمع.... وأهل العقول هم الذين يعقلون الحق فيتبعوه وينعقلون عن الباطل فيجتنبوه وهم أولو الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، وهم أهل القلوب الذين يتذكرون ويتعظون (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.... وأهل البصيرة هم الذين رزقهم الله نوراً في قلوبهم يبصرون به ما لا يبصرون بعيونهم (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) وهم الذين رزقهم الله لذة في العبادات،ويقول قائلهم: ما تلذذ المتلذذون بمثل طاعة الله، وهم الذين رزقهم الله نصراً على الشيطان يفرُّ من ظلَّه..... سنابل العمر نعمة من نعم الله يغبن فيها كثير من الناس لأنهم يبذرون في أيامها ويبذرون في أعمالها، والمبذرون إخوان الشياطين يسرفون في إضاعتها وعدم إشغالها بالطاعة، والله لا يحب المسرفين. والواجب أن نحفظ النعمة، قال صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
مشاركة :