ما زال الغموض حتى يومنا الحاضر يعتري الحركات و حروف المد من حيث ماهيتها و طريقة خروجها و وضعية اللسان حين النطق . لهذا سوف نسلط الضوء في هذا المقال على كل ما يخصها حتى تتضح الصورة كاملة لناطق العربية و قارئ القران الكريم. و قبل بداية الحديث عن الحركات الثلاثة لابد أن نتطرق إلى ما ذكرناه في كتابنا المنظور الجديد في التلاوة و التجويد و هو قول العالم دانيال جونز و الذي شرحه الدكتور رمضان عبدالتواب في كتابه المدخل إلى اللغة و الذي يقول “أن الحركات هي صوت يخرج من الأوتار الصوتية دون أن يحتك بأعضاء النطق العليا, و مع هذا هنالك وضعيات يتخذها اللسان عند كل حركة , و هذه الوضعيات لا تُحدث أي احتكاك في أعضاء النطق بمعنى أنه لا ينتج عن هذه الوضعيات أي صوت “, و لكن ربما لا يكون هذا الكلام كافيًا حتى يفهم الناطق عمل الحركة . فإن كان لا يصدر أي صوت من أعضاء النطق العليا أثناء نطق الحركات الثلاثة , فكيف إذن نميز الفتحة عن الضمة , أو عن الكسرة ؟ و ما هي وظيفة وضعيات اللسان إن كانت لا تُنتج أي صوت ؟ ولهذا نقول أن الوظيفة الحقيقة للحركات هو أنها تحول التجويف الفموي إلى شكل أنبوبي , يختلف في كل حركة عن الأخرى , و كل شكل أنبوبي يصدر صوتًا مختلفًا عن الصوت الذي يصدره شكل أنبوبي آخر . فعند النفخ في أنبوب مستقيم يخرج لنا صوت يختلف تمامًا عن الصوت الذي يخرج عند النفخ في أنبوب ملتوي , و من هنا جاءت فكرة الأبواق و بعض الآلات الموسيقية , فالقدماء تعلموا أساسياتها من الجهاز الصوتي الذي أبدع الله عز و جل في خلقه , فتبارك الله أحسن الخالقين. و نعلم جميعًا أن في الضمة يرتفع أقصى اللسان , و هذا الذي يجعل التجويف الفموي يتحول إلى شكل أنبوبي يلتوي أو نقول ( يضيق) في منطقة أقصى اللسان. أما في الكسرة فيتحول التجويف الفموي إلى شكل أنبوبي يلتوي أو نقول ينخفض أو يتسع في منطقة وسط اللسان لما في الكسرة من ميزة الانخفاض و بهذه الطريقة نُميز صوت الضمة و الكسرة. و أما فيما يخص الفتحة فهي من أكثر المواضع المختلف فيها في علم اللغة و التجويد . فهناك القول بانبساط اللسان في الفتحة على اعتبار أنها شبيهة بالألف , و لكن عند تطبيق هذا القول و بسط اللسان بعد كل فتحة نجد أن زمن الفتحة يكون زائدًا بمعنى أن الكلمة تخرج مقطعة و ذات خلل في الوزن , لهذا نقول أن هذا القول مرفوض , بالإضافة إلى أنه لم يقع بين أيدينا من الكتب العلمية التي تذكر هذا القول , حيث أن الذي ذُكر في كتب اللغة عن. الفتحة قولين : 1. ارتفاع مؤخرة اللسان. 2. ارتفاع وسط اللسان. و القول الثاني مرفوض كمخرج للفتحة أو الألف لأنها منطقة الحروف الشجرية و الكسرة . و عليه نقول أن الصواب هو موقع الفتحة و الألف في ارتفاع مؤخرة اللسان أي ( جذر اللسان مع ما يحاذيه من أدنى الحلق) كما ذكرنا في كتابنا المنظور, و لكن مع ذلك لا ننكر أن في الفتحة فقط دون الألف يرتفع وسط اللسان ليشكل أنبوبًا له شكل الجبل أو القطع المكافئ المفتوح لأسفل و تكون قيمته العظمى ( أعلى نقطة فيه ) أسفل حرف الشين و أعلى موضع الكسرة. و هذا الشكل الأنبوبي هو شكل اللسان في الحالة الطبيعية حينما يتطابق الفك السفلي مع الفك العلوي , أي أن غالبية الناس يطبقون الفتحة دون أن يشعروا , و هذا كان السبب الذي جعل الفتحة ترتدي الغموض منذ القدم . و نلاحظ أن الأنبوب الذي تشكله الفتحة لا يضيق و لا يتسع في أي منطقة بل يكون متساوي المساحة من بدايته حتى نهايته. و نشير هنا إلى أن وضع الفتحة هو نفسه في جميع الحروف المفخمة أو المرققة كما ذكرنا في المنظور , أما في ما يتعلق بشكل الملعقة في الحروف المطبقة فلا نرى أن هذا القول يعد قولاُ علميًا , حيث أن الإطباق هو حصر الصوت بين اللسان و غار الحنك , بمعنى أن من المهم أن يكون اللسان مرتفع في بدايته , و مؤخرته ( التي هي منطقة التفخيم المذكورة في كتابنا ) حتى يتم الحصر , و هذا لا يحدث إلا في الحروف المطبقة , و يخرج تلقائيًا مع نطق الحرف و لا يستلزم الإتيان بوضع الملعقة. أما كيف يعرف القارئ أنه أتقن نطق الحركات الثلاثة فنقول أن علو الصوت و درجة وضوحه هي المقياس في ذلك نتيجة ضيق الأنبوب التي تسببه الحركة , فإذا ما شعر الناطق بانخفاض صوته أو أنه أصبح مكتومًا فهذا بالتأكيد يعني خطأ أو اتساع في منطقة الحركة أو منطقة الالتواء الخاصة بالحركة المراد نطقها. وسوف أوضح في الجزء الثاني من المقال كل ما يتعلق بحروف المد -; هذا و الله تعالى أعلى و أعلم. للتواصل مع الكاتبة almanthor_aljadeed
مشاركة :