تحدثنا في مقال الأمس عن كل ما يتعلق بالحركات الثلاثة و قلنا أن اللسان فيها يتخذ وضعيات مختلفة لتشكل أنبوبًا يكون هو السبب الرئيسي في تميز كل حركة عن الأخرى و أنها لا تنتج عن احتكاك أعضاء النطق العليا , و تبقى لنا أن الخوض في ماهية حروف المد الثلاثة. ولكن قبل الحديث عن حروف المد لابد أن نتطرق إلى ذكر الواو و الياء المتحركتين , حيث أنهما كما نعلم يعدان من الحروف الهجائية أي أنهما صوتان ناتجان عن احتكاك عضوي نطق , و هذا عكس ما يحدث في الحركات التي لا تحتك بها أعضاء النطق العليا. و لكن بما أن الضمة من جنس الواو , و الكسرة من جنس الياء فمن المنطقي أن تكون الواو في نفس مكان الضمة أي أقصى اللسان مع ارتفاع بسيط يؤدي إلى احتكاك أعضاء النطق , و هذا هو مخرج الواو الصحيح أي تخرج من نفس مكان الكاف و لكن أخفض قليلا, و قد ذكر بعض العلماء ذلك ومنهم الدكتور كمال بشر في كتابه علم الأصوات ,و ليس الشفتان كما يظن غالبية الناس. و الياء بالطبع في نفس مكان الكسرة أي وسط اللسان مع انخفاض بسيط لما فيها من ميزة الانخفاض و عندها يصدر صوت ناتج عن احتكاك عضوي النطق. و من هنا نقول أنه لو كان لدينا ألف متحركة لكانت مثل الواو و الياء بمعنى أنها ستكون في نفس مكان الفتحة مع تغير بسيط ينتج عنه احتكاك أعضاء النطق العليا , و لكن في اللغة العربية لا يوجد ألف متحركة و السبب في ذلك هو مكان الألف الذي سنوضحه لاحقُا . و عدم وجود ألف متحركة في اللغة لا يعني أنه من الممكن لنا أن نعامل الألف مثل الفتحة أبدًا فهي حرف ولابد أن تعامل مثل حروف المد. و قبل التفصيل في حروف المد سنذكر أن بعض علماء اللغة المحدثين أسموا حروف المد بالحركات الطويلة , و عند تدريس التلاوة يطلب بعض المعلمين من الطالب مد الحركة ليحصل على حرف المد , و هذا الكلام غير دقيق و يؤدي إلى الخطأ في الفهم و في النطق , و برغم أننا نُقرّ أن زمن حروف المد هو ضعف زمن الحركة لكن من الخطأ اعتبار حروف المد حركات طويلة أو امتداد لها , فكما ذكرنا أن الحركات مجرد شكل أنبوبي يجعلنا نميز الحرف المفتوح من المضموم من المكسور وليس له صوت ناتج عن احتكاك عضوي نطق , أما حروف المد فإننا نعلم أنها إما واو أو ياء ساكنتين سُبقت بحركة من جنسها , بمعنى أن أصلها حرفي الواو و الياء الناتجين عن احتكاك عضوي النطق , أي أنهما صوتان , و بما أن علماء التجويد أضافوا حروف المد للحروف الأبجدية و أسموها حروفًا فهذا يعني أن الواو و الياء المديتين هما صوتان جديدان بمعنى أن لهما صفات تختلف عن صوت الواو و الياء المتحركتين , و من أهم هذه الصفات هي صفة الامتداد و التي تعني أن الصوت عند نطق حروف المد يخرج بطيئًا و لا ينتهي بسرعة كما يحدث في الواو و الياء المتحركتين أو حتى اللينتين . و هذا الامتداد الذي تمتاز به حروف المد ناتج عن المزيج الجديد و هو خروج الواو أو الياء في حالة استثنائية و هي أن تكون ساكنة و ما قبلها من جنسها , و هذا الامتداد يأتي تلقائيًا مثله مثل باقي صفات الحروف و لا يتكلفه الناطق و يكون زمنه ضعف زمن الحركة . و أما بالنسبة لمكان خروج الواو و الياء المديتين فهو نفس مكان الواو و الياء المتحركتين , لذا من كان في نطقه نقص في زمن الامتداد فليصحح المخرج الأصلي للواو و الياء . و الألف مثلهما تمامًا تتبع نفس القاعدة. و أما بالنسبة للألف فهي في نفسى منطقة الفتحة أي ( جذر اللسان مع ما يحاذيه من أدنى الحلق ) و لكن كما ذكرنا أن في حروف المد لابد من احتكاك عضوي النطق ليخرج صوتها , فكل ما على الناطق فعله هو سحب مؤخرة لسانه إلى الخلف حتى يقترب من أدنى الحلق و يحدث الاحتكاك ثم ينتج عن ذلك انبساط اللسان من الأمام ( و هنا تتضح ميزة الانبساط في الألف) , ومن ثم نزول الفك السفلي بمقدار أنملة تقريبًا , و سو ف يلاحظ الناطق أن زمن الألف يمتد معه و لا يمكن أن يخرج قصيرًا أبدًا. وقد ذكرنا في كتاب المنظور أن الألف ترتفع فيها المؤخرة عن الفتحة قليلاً , و لكن الأكثر دقة أن نقول سحب اللسان للخلف حيث أن التجويف الحلقي يقع أسفل التجويف الفموي في الواقع الذي يختلف عن الرسومات التوضيحية. و قد أشرنا أيضًا في كتابنا أن الألف تتخذ نفس الشكل سواء سبقت بمفخم أو مرقق , و السبب في ذلك موضعها القريب من موضع التفخيم ( جذر اللسان مع نهاية الحنك اللحمي ). و بما أن مخرج الغنة كما ذكرنا في كتاب المنظور هو نفس مكان التفخيم , و الذي أيضًا يكون قريبًا من الألف , فعلميًا و منطقيًا لابد أن تتبع الألف حرفي النون و الميم في الغنة كما تتبع حروف التفخيم في التفخيم , و حروف الترقيق في الترقيق. أما بالنسبة لطريقة قراءة حروف المد فقد أشرنا في كتابنا أنه لابد من رفع الصوت في الحرف الذي يسبق حرف المد فيصبحان و كأنهما حرفًا واحدًا و ذلك لأن غالبية الناس تخفض صوتها عند نطق الساكن و هذا يجعل حرف المد يخرج مستقل و الصحيح أنه تابع للحرف الذي يسبقه و لا يقرأ منفصلا أبدًا. و سنذكر في الجزء الأخير من مقالنا الشكل الذي يفترض أن يتخذه اللسان في كامل التلاوة , بحيث يكون قريبًا من مواضع الحركات و جميع الحروف. هذا و الله تعالى أعلى و أعلم. للتواصل مع الكاتبة almanthor_aljadeed
مشاركة :