قرار مجلس الوزراء المصري تثبيت أسعار بيع الكهرباء وإرجاء أي زيادة فيها حتى يناير المقبل يظهر أن الحكومة المصرية تريد أن تهدّئ وأن تمتص حالة من الغضب في الشارع بسبب زيادة الأسعار خاصة بالنسبة إلى المواد الأساسية. كما أنها تسعى للتهدئة مع المعارضة من خلال خطوة الإفراج عن دفعة جديدة من المحبوسين. القاهرة - أكدت قرارات اتخذتها الحكومة المصرية أخيرا أنها تمضي في مسارين متوازيين بهدف تخفيف حدة الضغوط السياسية الواقعة عليها من المعارضة والضغوط الاقتصادية التي تحاصرها وجلبت لها منغصات، خوفا من تردي الأوضاع المعيشية لشريحة كبيرة من المواطنين. وأعلنت لجنة العفو الرئاسي، السبت، استخدام الرئيس عبدالفتاح السيسي صلاحياته الدستورية بالإفراج عن دفعة جديدة من المحبوسين على رأسهم الناشط أحمد دومة أحد أبرز نشطاء ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، والذي كان محل اهتمام بالغ من قبل أحزاب وشخصيات معارضة. وظلت مطالبات الإفراج عن دومة حاضرة على طاولة الحوار الوطني من قوى سياسية مختلفة، حيث حُكم عليه عام 2019 بالسجن المشدد خمسة عشر عاما في قضية تسمى “أحداث مجلس الوزراء” التي شهدت شغبا وقتها. وأكدت قرارات العفو المتتالية عن النشطاء وجود نية لدى النظام المصري بغلق الأبواب التي ينفذ منها التوتر السياسي، بما يشكل خطورة على الاستقرار، في ظل مساع واضحة من السلطة لإظهار حسن نواياها من خلال السعي نحو إحداث تغيير إيجابي، وفتح صفحة جديدة أمام اتساع دائرة التحديات، واقتراب موعد انتخابات الرئاسة. قرارات العفو المتتالية عن النشطاء تؤكد وجود نية لدى النظام المصري بغلق الأبواب التي ينفذ منها التوتر السياسي ولا يخلو التوجه الراهن من محاولات رسمية لترضية المعارضة بعد أن خلت مخرجات الحوار الوطني من أي توصيات سياسية لها علاقة بملف الإفراج عن السجناء أو اتخاذ إجراءات عاجلة لفتح الفضاء العام، وهو ما ظهرت نتائجه بإشادة الكثير من القوى المعارضة بموقف الرئيس السيسي وصدق نواياه تجاه الاستجابة لشواغل القوى السياسية التي تدخل ضمن صلاحياته الدستورية. وجمدت الحكومة بعض القرارات المرتبطة بزيادة الأعباء على المواطنين وظهور توجه بعدم تحريك الأسعار أمام تفاقم الأعباء التي تشكل تحديا مضاعفا للسلطة. وقرر مجلس الوزراء تثبيت أسعار بيع الكهرباء وإرجاء أي زيادة فيها حتى يناير المقبل، ومن المتوقع أن ينسحب قرار التجميد على أسعار الوقود والمواصلات. وعانت الحكومة من زيادة الضغوط الواقعة عليها بسبب انقطاع الكهرباء واستدعاء صورة ذهنية سلبية سابقة حينما أخفق نظام الرئيس الإخواني محمد مرسي في حل أزمة الكهرباء وزادت الغضب الشعبي منه. واقتنعت الحكومة بأن تحمّل فاتورة تأجيل زيادة أسعار الكهرباء، مهما كانت ضاغطة على موازنة الدولة، أفضل من أي تداعيات في الشارع قد تصعب السيطرة عليها. وقد ترهق كلفة تأجيل زيادة أسعار الكهرباء الحكومة التي ستتحمل فروق أسعار الدولار والكهرباء والغاز الطبيعي الذي يصل إلى المحطات، لكن الاستقرار الاجتماعي والسياسي وعبور الفترة الراهنة بلا تذمر يظلان أقل كلفة. وسُئل وزير النقل والمواصلات المصري كامل الوزير أكثر من مرة عن موعد زيادة أسعار تذاكر المترو، كما سبق وحددت الحكومة في النصف الثاني من العام الجاري، لكنه استبعد وجود نية لاتخاذ قرار بهذا الشأن، وأن تكليفا صدر من الرئيس السيسي بإبقاء الأسعار الحالية كما هي، مراعاة لظروف المواطنين، على أن تتحمل الدولة فارق الكلفة، وهي إشارة إيجابية لم تكن سائدة في خطاب وزير النقل. ويوحي المشهد الراهن بأن الحكومة ترغب في تثبيت الاستقرار الحاصل إلى حين انتهاء البلاد من الاستحقاق الرئاسي المقبل، لأن أي أعباء جديدة أو قرارات بزيادة في أسعار السلع والخدمات العامة سوف تكون لها ارتدادات على الانتخابات الرئاسية. ولا ينفصل قرار الحكومة عن تجميد العمل بالضريبة الزراعية لمدة عام جديد عن اقتناعها بحتمية توسيع دائرة الرضاء المجتمعي ليشمل فئات مختلفة، حيث تستهدف من القرار عدم توسيع الفجوة بين المزارعين والمؤسسات الرسمية في ظل الحاجة الملحة إلى إنقاذ الأمن الغذائي وسط أزمة عالمية طاحنة في عمليات توريد الحبوب. وجرى انتقاد الحكومة المصرية كثيرا لتعاملها مع المزارعين بطريقة تفتقد الحنكة السياسية وعدم قدرتها على التفرقة بين الظروف العادية والتوقيتات الصعبة التي تتطلب رشادة في إدارة العلاقة مع فئة تمثل ما لا يقل عن عشرة في المئة من المصريين وتضمن ترضيتها أمانا للحكومة وتنأى بها عن مواجهة انتقادات جديدة. الحكومة المصرية تخشى من زيادة الضغوط الواقعة عليها بسبب انقطاع الكهرباء واستدعاء صورة ذهنية سلبية سابقة حينما أخفق نظام الرئيس الإخواني محمد مرسي في حل أزمة الكهرباء وقال مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي إن قرارات الحكومة بتحمل العبء عن الناس مؤقتا ينسجم مع توصية صندوق النقد الدولي مؤخرا بضرورة توسيع شبكة الأمان الاجتماعي للمصريين لإحداث التوازن في السياسات العامة والتقليل من التأثيرات السلبية على شريحة كبيرة من البسطاء في مصر. وأضاف لـ”العرب” أن الظرف السياسي الراهن يفرض على الحكومة أن تعيد صناعة الأمل عند الناس مع وجود تيارات معادية تحاول العبث في عقول البعض من المواطنين، والترويج بأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية وصلت إلى مستوى صعب من التدهور، ما تطلب من الحكومة تبني قرارات تشعرهم أن الأوضاع قابلة للتحسن. ومن شأن هذا التوجه أن يؤدي إلى تأقلم فئة من المصريين مع الوضع الراهن، مهما كانوا يعانون من صعوبات في المعيشة، لكن المهم ألا تزيد الحكومة الأعباء عليهم بقرارات صادمة قد لا يثورون عليها الآن لكنها يمكن أن تعمق الفجوة مع الشارع، ويتسع الباب أمام دعوات التحريض بالتركيز على ارتفاع منسوب الفقر. ويبدو أن الحكومة اقتنعت أخيرا بأن الاستقرار السياسي لا يعني توقف المظاهرات ضدها في الشارع، بل قد تهتز المعادلة التي شيدتها في مضمار الأمن مهما بلغ الصمت أمام القيود المفروضة على الاحتجاجات، ولا بديل عن وضع علاجات سريعة للحد من التراكمات التي تسببت في زيادة الهوة بين المواطنين والحكومة، ولو تحملت الأخيرة جزءا من العبء الاقتصادي لجني مكاسب سياسية بعيدة. وبغض النظر عن الأهداف السياسية من وراء عدم تحريك الأسعار، فعدم مبالاة الشارع بها، على الرغم مما تحمله من إيجابيات، يعكس نوعا من الإحباط الذي يعيشه الناس، بما يفرض على الحكومة إيجاد حلول جذرية للأوضاع الاقتصادية الراهنة، لأن تجميد المعاناة لا يكرس الاستقرار المجتمعي أو الأمان السياسي على الدوام. انشرWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :