غادرت رقيب الشرطة السابق ماريا كاليو بطلة رواية "قلب نحاسي" للروائية الفنلندية لينا ليهتولاينن بكل سرور بلدتها الفنلندية الصغيرة أربيكيلا لتقضي لقضاء شهر في شيكاغو مع حبيبها "آنتي"الذي تفقد حضوره، في محاولة منها للتخلص من حالة الملل والفراغ والأجواء الخانقة. ولكن على الرغم من احتقار ماريا للبلدة الصغيرة والرائحة الكريهة المنبعثة من منجم النحاس المغلق الآن، عندما اتصل بها عمدة أربيكيلا في شيكاغو وطلب منها أن تتولى منصب نائب العمدة خلال فترة الصيف وافقت فورا وقررت العودة. ما كان ينبغي أن يكون صيفًا هادئًا سرعان ما يتحول إلى دراماتيكي ومميت. "ميريتا"، توفت بعد سقوطها من برج منجم النحاس، وتشتبه ماريا على الفور في أن شخصًا ما تسبب في سقوطها وقتلها. "ميريتا فلويت"، أو "ميريتا كورهونين" كما كان اسمها قبل الزواج. كانت من أكبر المشاهير في المدينة، بجانب "كيزا ميتينن"، رامية الرمح. تعدُّ "ميريتا" فنانة متخصصة في رسم اللوحات الزيتية التصويرية. كانت أيضًا موضوعًا دائمًا للمناقشة على صفحات المجلات النسائية والثقافية. لا عجب في ذلك، فهي ترسم بشكل جميل، ولديها آراء قوية حول الثقافة والبيئة والإثارة الجنسية، ولديها جاذبية شبه غجرية، بشعرها الأسود، وعينيها الذهبيتين، ومنحنياتها الحسية، ربما لم تكن تتمتع بجمال كلاسيكي، لكنها كانت مثيرة. الآن يجب أن تواجه "ماريا" الحقيقة القاسية المتمثلة في أن أحد سكان المدينة قتل "ميريتا" بدفعها من أعلى برج منجم النحاس، فحتى أصدقاء "ماريا" التي عرفتهم لسنوات لديهم دوافعهم للقتل بما فيهم "جوني"، الذي كانت معجبة به،واتخذته صديقا علهينسيها حبيبها "آنتي" الذي كانت يدرس في شيكاغو. تكشف أحداث الرواية التي ترجمتها نهى مصطفى وصدرت عن دار العربي واقع ودور الفساد الاجتماعي في شبكة العلاقات التي تربط أهالي القرية وبالأخص أصدقائها بدءا بقاذفة الرمح كيزا ميتينن التي حصلت على الميدالية الفضية في رمي الرمح للسيدات في بطولة العالم لألعاب القوى،وتسعى للحصول على الميدالية الذهبية، ورائد الأعمال سيبو كيفينين الشريك الرئيسي والمدير التنفيذي لشركة المناجم القديمة المحدودة وصاحب الأنشطة التجارية، وجوني وزوجته، ومن هنا تأخذ القضية ماريا من قمة البرج إلى أحشاء المنجم، ومن ناد للتعري إلى الحياة السرية لزملائها في المدرسة، وسرعان ما يصطدم ماضي وحاضر المحققة الفنلندية المحبوبة بعنف، مما يجعل مستقبلها في خطر لتتدلى نفس القلوب النحاسية من أذنيها كما كانت تتدلى من أذني المرأة المقتولة. يذكر أن لينا ليهتولاينن هي رواية جريمة فنلندية اشتهرت بسلسلة رواياتها عن الشرطية "ماريا كاليو"، ولدت ليتولينن في فيسانتو، شمال سافونيا. صدرت روايتها الأولى عندما كان عمرها 12 عامًا فقط. درست الأدب في هلسنكي حتى عام 1995 وبدأت في كتابة الروايات البوليسية من عام 1993 حتى الآن. منذ عام 2007 بدأت في كتابة أنواع أخرى من الكتب. ترجمت أعمالها إلى لغات مختلفة: الإسبانية، الهولندية، الصينية، الليتوانية، البولندية، الفرنسية، السويدية، الألمانية، الإستونية، التشيكية. مقتطف من الرواية لطالما كانت لديَّ ذاكرة جيدة للروائح. أحيانًا حتى بعد سنوات، أستدعي رائحة شخصٍ ما أو مكانٍ ما. عندما أفكر في الربيع، أتذكر الرائحة المثيرة للأرض الرطبة. أعرف الخريف من العطر الثقيل الحزين للأوراق المبتلة. عندما هبت الرياح من الشرق، ونشرت الرائحة الكريهة للنحاس وحمض الكبريتيك من برك مخلفات المنجم التي يطلق عليها اسم المستنقع، كنت أعلم أنني في مدينتي. منذ عشر سنوات، قبل أن أهرب من بلدة "أربيكولا" الريفية، بالكاد كنت ألاحظ هذه الرائحة. في ذلك الوقت، لم ألحظ أبدًا ضخامة البرج وعظمته، حيث يسيطر ويلقي ظلاله الرمادية على البلدة. بينما أسير في الشارع الرئيس، كان البرج يهيمن على المباني والأشجار، مثل شبح رمادي عظيم، حساس ورقيق، وثقيل وأخرق في آن. أكدت تلة الأحجار الصلبة الصفراء النحاسية تحت البرج عظمةَ ظلاله. كان عليَّ أن أحول عينيَّ بعيدًا، نحو زرقة السماء الصافية، وخضرة أشجار البتولا في الأسفل. ماذا أفعل هنا مرة أخرى؟ لقد اعتدت العودة إلى "أربيكولا". لم أعد إلى هنا لأبقى، بل لستة أشهر فقط، انقضى منهم شهران لحسن الحظ. اعتدت الطريقة التي دفعتني بها الحياة من مكان إلى آخر دون سابق إنذار. قبل عام، تخرجت في كلية الحقوق وبدأت العمل في مكتب محاماة صغير في "إسبو". في البداية بدا الوضع مثاليًّا، ولكن تدريجيًّا بدأت ممارسات المكتب التجارية تثير الشكوك. خلال عطلة عيد الميلاد، قررت المخاطرة والاستقالة، لكن قبل أن أتمكن من ذلك، توفي الشريك الرئيس بنوبة قلبية. عندما بدأ الورثة في العمل، سرعان ما اتَّضح أن الشركة على وشك الإفلاس. كانت التصفية الكاملة هي الخيار الوحيد، وقام الشركاء الباقون بتسريحي من العمل ودفعوا لي بضعة أشهر فقط كتعويض مالي. بدا العثور على وظيفة جديدة مستحيلًا، حتى أنني أذللت نفسي وبحثت عن فرصة عمل في مكان عملي القديم، في وحدة جرائم العنف في هلسنكي، حيث عملت برتبة رقيب قبل التدريب على المحاماة. لم يكن لديهم أي وظيفة شاغرة بسبب تفكيك الوحدة، لم تكن هناك أي وظيفة في أي مكان. وفجأةً، انقلبت حياتي، خاصة وأن صديقي "آنتي" قد سافر لعام كامل في منحةٍ ما بعد الدكتوراة في "شيكاجو". لذا لبعض الوقت، كنت أتجول في شقة "آنتي" الفارغة، وأشعر بالحزن على نفسي، وأقضي وقتي في ممارسة الرياضة والقراءة. نعم، وجدت الكثير من الوقت للجلوس في الحانات. كنت في حاجة ماسة إلى خطة، حتى أنني فكرت في العودة إلى الدراسة. عندما لم أتوصل إلى شيء أفضل لأفعله، قررت إنفاق آخر أموال التعويض لقضاء شهر في "شيكاجو" مع "آنتي"، ما يعني أن شيكات البطالة الخاصة بي ستتوقف. في منتصف عطلتي في "شيكاجو"، تلقيت فجأةً مكالمة من مأمور بلدتي مسقط رأسي. قال المأمور "يوسي رانتانين" إنه قرر أخيرًا الانتهاء من دراسته الجامعية في علوم الطب الشرعي ويحتاج إلى نائب في منصب قائم بالأعمال لبضعة أشهر. كان والداي والمأمور هم القوة الدافعة لـ"فريق غناء الغرفة المحلية"، ما جعل ابنة عائلة "كاليو" العاطلة عن العمل مرشحةً مثالية لتحل محله في الصيف. كنت أعرف أنني يجب أن أبدأ في سداد أقساط قرض الطلاب الخاصة بي في نهاية سبتمبر، وتولي منصب المأمور في بلدتي في الصيف لم يبدُ أسوأ عمل يمكن تخيله. تصورت أن بإمكاني أن أجد مكانًا أعيش فيه لبضعة أشهر، لم أفكر في الانتقال للعيش مع والديَّ ولو لثانية واحدة، وأشك في أنهما كانا سيحبان هذه الفكرة أيضًا. لذلك طلبت من "يوسي" مهلة أسبوعين للتفكير في الأمر. أخيرًا اتصلت به من "شيكاجو" لقبول عرضه، على الرغم من شكوك "آنتي". سألني "آنتي": -هل تعرفين كم مرة أخبرتِني أنكِ تكرهين هذا المكان؟ لماذا تريدين العودة إلى هناك الآن؟ -يمكنني تحمل ستة أشهر في أي مكان، وهناك أناس طيبون. أفضل صديقة لي من المدرسة "إيلا" تعمل منسقة حضارية للمدينة. و"كويفو" موجود في مدينة "يوينسو" هذه الأيام، والتي لا تبعد سوى نصف ساعة عن بلدتي. هناك سبب آخر لموافقتي على تولي الوظيفة، إن بلوغي الثلاثين أدى إلى أزمة "ربع عمر"، أردت أن أعود لجذوري، ربما لهذا السبب أردت العودة إلى "أربيكولا" لفترة من الوقت. يعدُّ اسم البلدة "أربيكولا"، والتي تعني "الندبة"، سخيفًا. يقال إنه جاء من عرقٍ من النحاس بلون الدم الجاف يجري بطول التل في المنجم القديم. وقال أحد أصدقائي في المدرسة الثانوية، والذي كره المكان أكثر مني، إن الاسم جاء لأنه لا يوجد شخص خرج منها دون أن يتعرض للندوب مدى الحياة. بالطبع كان مكانًا متقشفًا، مثل جميع المدن الصغيرة التي تدور حول صناعة واحدة. خلال سنتي الأولى في أكاديمية الشرطة، أصابني التجهم عندما اختارت بعض المجلات "أربيكولا" كواحدة من أكثر عشر مدن مملة في فنلندا. لقد وعدت نفسي ألا أعود أبدًا. ومع ذلك، فعندما تقول إنك من مكان يحمل اسم "ندبة" تجد بعض الهيبة المميزة. على الأقل بدا أكثر إثارة للاهتمام من مدن مثل "هيفينكا" أو "لويما" أو"كيماكي". "ماريا كاليو" من "أربيكولا"، مباشرةً من براري شرق فنلندا. في السنوات الأخيرة، حاولت المدينة جاهدةً بناء صورتها كمدينة ريفية ودودة. لسوء الحظ، بدا شعار الحملة قسريًّا: "أربيكولا"، المدينة ذات القلب النحاسي. بالطبع، كانت عروق المادة الخام التي سمحت للمدينة بالازدهار قد جفت منذ سنوات. علا صوت صفير مرتفع بسرعة من اتجاه البرج. توقفت في قلق لأراقب، لن يفجروا البرج. أليس كذلك؟ كنت أعرف أن الانفجار ربما يكون صغيرًا، ومن المخطط أن يتم بعيدًا عن البرج. لقد وقعت على التصريح بنفسي، لكني لم أستطع سوى أن أتوقف للتأكد من أن البرج الرمادي القديم سينجو من الهزة. ارتفعت سحابة صغيرة من الغبار في الهواء من مكانٍ ما يسار البرج، وأطلقت صافرة مطمئنة وثابتة. كان المالك الجديد للمنجم القديم يقوم بتجديد المدخل الرئيس لإجراء جولات للزوار على الممرات. ومن المتوقع أن تقام مراسم الافتتاح يوم الجمعة المقبل. لوَّحت للبرج قبل أن أتجه نحو مركز الشرطة. نظر إليَّ البرج وكأنه يشعر بالإهانة من مجرد التفكير في أنه قد يسقط من انفجار صغير كهذا. للحظة، بدا البرج مخيفًا تمامًا، متحكمًا في بيئته المحيطة، ملقيًا عليها ظلالًا طويلة داكنة. في وقت لاحق، في أثناء ممارستي للجري مساءً، كان ما زال لديَّ شعور بأن البرج يراقبني.
مشاركة :