عندما يتحدث البحر.. حكايات وتجارب مؤثرة

  • 8/20/2023
  • 02:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬صلالة،‭ ‬خلال‭ ‬يومي‭ ‬16‭ ‬و17‭ ‬أغسطس‭ ‬الجاري،‭ ‬حضرنا‭ ‬ملتقى‭ ‬التدريب‭ ‬والمدربين‭ ‬العرب‭ ‬الثالث،‭ ‬وكان‭ ‬الملتقى‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬كريمة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سيف‭ ‬البوسعيدي‭ ‬والي‭ ‬ولاية‭ ‬صلالة‭.‬ الجميع‭ ‬يعرف‭ ‬مدى‭ ‬جمال‭ ‬وروعة‭ ‬صلالة‭ ‬خلال‭ ‬موسم‭ ‬الخريف،‭ ‬فأينما‭ ‬وجهت‭ ‬وجهك‭ ‬تجد‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر،‭ ‬فالجبال‭ ‬خضراء‭ ‬والشوارع‭ ‬خضراء‭ ‬وكذلك‭ ‬القلوب‭ ‬خضراء‭ ‬والشعب‭ ‬جميل‭ ‬ورائع،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ألقى‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬الملتقى‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬الملتقيات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحضرها‭ ‬المرء‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬كلها،‭ ‬فهي‭ ‬بالفعل‭ ‬تجدد‭ ‬نشاطه‭ ‬ونفسيته‭.‬ ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬صلالة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬السنة،‭ ‬فإن‭ ‬نفسك‭ ‬تتوق‭ ‬إلى‭ ‬التجوال‭ ‬لتشاهد‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬مشاهدته‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬لذلك‭ ‬قمنا‭ ‬بمعية‭ ‬الإخوة‭ ‬منظمي‭ ‬الملتقى‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬صلالة‭ ‬ببعض‭ ‬الزيارات‭ ‬لبعض‭ ‬الأماكن‭ ‬الجميلة،‭ ‬ومن‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬أتذكرها‭ ‬جيدًا‭ ‬زيارتنا‭ ‬لشاطئ‭ ‬الدهاريز‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭.‬ الشاطئ‭ ‬رملي‭ ‬جميل،‭ ‬مياهه‭ ‬صافية،‭ ‬وكانت‭ ‬الأمواج‭ ‬مرتفعة‭ ‬وكذلك‭ ‬هديرها،‭ ‬أخذنا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكراسي‭ ‬وكنا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المدربين‭ ‬وجلسنا‭ ‬على‭ ‬الساحل،‭ ‬والأمواج‭ ‬ترتفع‭ ‬وتتلاطم،‭ ‬وسرح‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬ذاكرته‭ ‬وخيالاته،‭ ‬وساد‭ ‬الصمت‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬فحاولتُ‭ ‬أن‭ ‬أقطع‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬بسؤال‭ ‬وهو؛‭ ‬لو‭ ‬تحدث‭ ‬البحر‭ ‬الآن‭ ‬ترى‭ ‬ماذا‭ ‬سيقول‭ ‬لك؟‭ ‬عاد‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬ذاكرته‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬حكايتي‭ ‬مع‭ ‬البحر‭.‬ قال‭ ‬أحد‭ ‬الإخوة‭ ‬المدربين‭: ‬عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬في‭ ‬بلادي،‭ ‬حدثت‭ ‬مشكلة‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬المسؤول،‭ ‬وحاول‭ ‬ذلك‭ ‬المسؤول‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬أن‭ ‬يتخلص‭ ‬مني،‭ ‬منها‭ ‬أنه‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يحيلني‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع،‭ ‬لذلك‭ ‬تم‭ ‬تهميشي‭ ‬وركني،‭ ‬فكنتُ‭ ‬آتي‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ولا‭ ‬أقوم‭ ‬بعمل،‭ ‬حتى‭ ‬ضجرت‭ ‬ويئست‭ ‬وكان‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬الاكتئاب‭ ‬شعرة،‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭. ‬فما‭ ‬كان‭ ‬مني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬والدي،‭ ‬سردتُ‭ ‬له‭ ‬الحكاية‭ ‬كلها،‭ ‬نظر‭ ‬والدي‭ ‬إليّ‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬ثم‭ ‬شرب‭ ‬القهوة،‭ ‬وابتسم،‭ ‬فقط‭ ‬ابتسم،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬ألديك‭ ‬كرسيان‭ ‬في‭ ‬سيارتك‮»‬،‭ ‬فقلت‭: ‬‮«‬نعم،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديّ‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أذهب‭ ‬لشراء‭ ‬الكراسي‮»‬‭.‬ قال‭ ‬والدي‭: ‬لا،‭ ‬يكفينا‭ ‬كرسيان،‭ ‬أين‭ ‬سيارتك؟ قلت‭: ‬عند‭ ‬الباب‭.‬ قال‭ ‬والدي‭: ‬تعال‭ ‬معي‭ ‬لنخرج‭ ‬من‭ ‬البيت‭.‬ خرجنا‭ ‬من‭ ‬البيت،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يريد‭ ‬والدي‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬سنتجه؟‭ ‬قلت‭: ‬أين‭ ‬وجهتنا؟ قال‭ ‬والدي‭: ‬البحر،‭ ‬على‭ ‬الساحل‭.‬ وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الساحل،‭ ‬قال‭ ‬لي‭: ‬‮«‬خذ‭ ‬الكرسيين‭ ‬وتعال‭ ‬معي‮»‬،‭ ‬أخذت‭ ‬الكرسيين‭ ‬ومشيت‭ ‬خلف‭ ‬والدي‭ ‬وكأن‭ ‬طفلا‭ ‬رضيعا‭ ‬يسير‭ ‬خلف‭ ‬والديه‭. ‬وعندما‭ ‬بلغ‭ ‬والدي‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي‭ ‬خلع‭ ‬نعليه،‭ ‬ودخل‭ ‬البحر‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬الماء‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الركب،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬ضع‭ ‬الكرسيين‭ ‬هنا‮»‬‭. ‬ وبكل‭ ‬أدب‭ ‬وتواضع‭ ‬وضعت‭ ‬الكرسيين،‭ ‬فجلس‭ ‬والدي‭ ‬وجلست‭ ‬بالقرب‭ ‬منه،‭ ‬وبدأ‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬الحياة‭ ‬وقضايا‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬مواضيع‭ ‬شتى‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬أنا‭ ‬جئت‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬وهو‭ ‬وضعي‭ ‬في‭ ‬العمل‭.‬ وبعد‭ ‬برهة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بدأ‭ ‬منسوب‭ ‬الماء‭ ‬ينحسر‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬فشعرت‭ ‬أنا‭ ‬بذلك‭ ‬وحتى‭ ‬أن‭ ‬الشمس‭ ‬سحبت‭ ‬أشعتها‭ ‬استئذانًا‭ ‬بالغياب،‭ ‬والمغيب‭. ‬فنبهت‭ ‬والدي‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وابتسم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وقال‭: ‬يا‭ ‬بني،‭ ‬الحياة‭ ‬مثل‭ ‬ماء‭ ‬البحر،‭ ‬مرة‭ ‬يرتفع‭ ‬ومرة‭ ‬ينخفض،‭ ‬وسنن‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬تسير‭ ‬وفق‭ ‬نمط‭ ‬واحد،‭ ‬أنت‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬كنتَ‭ ‬مسؤولاً‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬تعمل‭ ‬فيها،‭ ‬لذلك‭ ‬كنت‭ ‬تشعر‭ ‬أنك‭ ‬في‭ ‬مد‭ ‬البحر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعلك‭ ‬سعيدًا،‭ ‬ولكن‭ ‬اليوم‭ ‬أنت‭ ‬أمام‭ ‬انحسار‭ ‬البحر،‭ ‬وهذا‭ ‬سبب‭ ‬لك‭ ‬الضيق‭ ‬والمشكلات،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬نهاية‭ ‬الدنيا،‭ ‬فالغد‭ ‬يوم‭ ‬آخر،‭ ‬سيأتي‭ ‬الموج‭ ‬والمد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وسيرتفع‭ ‬منسوب‭ ‬الماء‭ ‬وسترتفع‭ ‬معه‭ ‬إن‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬تصعد‭ ‬المد‭ ‬وأن‭ ‬تستفيد‭ ‬منه،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬صياد‭ ‬السمك،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الجزر‭ ‬لأن‭ ‬الأسماك‭ ‬تسبح‭ ‬وتهرب‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬البحر،‭ ‬ولكن‭ ‬الصياد‭ ‬الذكي‭ ‬ينتظر‭ ‬المد‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬والثروة‭ ‬البحرية‭.‬ يا‭ ‬بني‭ ‬لا‭ ‬تتضايق‭ ‬ولا‭ ‬تكتئب،‭ ‬وإنما‭ ‬انتظر‭ ‬المد،‭ ‬وإن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬ستتمكن‭ ‬من‭ ‬ركوب‭ ‬البحر‭ ‬والإبحار،‭ ‬وحينها‭ ‬يا‭ ‬بني‭ ‬ارفع‭ ‬شراعك‭ ‬وحول‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬أنت‭ ‬فيها‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬وتفيد‭ ‬الآخرين‭.‬ انتهت‭ ‬حكاية‭ ‬الأخ،‭ ‬فقلت‭: ‬من‭ ‬له‭ ‬حكاية‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬البحر‭.‬ قالت‭ ‬مدربة‭ ‬كانت‭ ‬جالسة‭ ‬معنا‭: ‬دعوني‭ ‬أحكي‭ ‬لكم‭ ‬حكايتي‭.‬ قلتُ‭: ‬تفضلي‭.‬ قالت‭: ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬حياتي‭ ‬الزوجية،‭ ‬بدأت‭ ‬مشاكلنا‭ ‬معها،‭ ‬كنا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬أحدنا‭ ‬الآخر،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬رأيه‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬فعندما‭ ‬كان‭ ‬زوجي‭ ‬يتحدث‭ ‬ويطرح‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬كنت‭ ‬أحاول‭ ‬وبكل‭ ‬طريقة‭ ‬أن‭ ‬أفرض‭ ‬رأيّ،‭ ‬وكذلك‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬هو،‭ ‬واستمر‭ ‬حالنا‭ ‬هكذا‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وخلالها‭ ‬أنجبنا‭ ‬طفلنا‭ ‬الأول‭ ‬وطفلتنا‭ ‬الثانية،‭ ‬ومازال‭ ‬حالنا‭ ‬كما‭ ‬هو،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬أحدنا‭ ‬لا‭ ‬تنازل‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الرأي،‭ ‬فتصوروا‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬الغضب‭ ‬والتوتر‭ ‬يسود‭ ‬حياتنا‭.‬ وخلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬عندما‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬الضيق‭ ‬والغضب،‭ ‬وعندما‭ ‬تبلغ‭ ‬مني‭ ‬المشاكل‭ ‬مبلغًا،‭ ‬كنتُ‭ ‬آخذ‭ ‬الطفلين‭ ‬وأذهب‭ ‬إلى‭ ‬البحر،‭ ‬أجلس‭ ‬ساعات،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لا‭ ‬أفعل‭ ‬شيئا،‭ ‬كنتُ‭ ‬فقط‭ ‬أجلس،‭ ‬وأتحدث‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬لمحاولة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬الذي‭ ‬وضعت‭ ‬نفسي‭ ‬فيه،‭ ‬واستمرت‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‭ ‬فترة‭.‬ ذات‭ ‬مرة،‭ ‬كنتُ‭ ‬جالسة‭ ‬عند‭ ‬البحر،‭ ‬وكان‭ ‬البحر‭ ‬هادئًا‭ ‬بطريقة‭ ‬غريبة‭ ‬جدًا،‭ ‬وكأنه‭ ‬الهدوء‭ ‬الذي‭ ‬يسبق‭ ‬العاصفة‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬وهذا‭ ‬الهدوء‭ ‬شجع‭ ‬ابنتي‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬الهادئ،‭ ‬وتتحدث‭ ‬مع‭ ‬صورتها،‭ ‬ولكن‭ ‬قام‭ ‬ابني‭ ‬برمي‭ ‬حجر‭ ‬أمام‭ ‬ابنتي‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬ودخل‭ ‬هو‭ ‬البحر،‭ ‬ولخبط‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬فبكت‭ ‬ابنتي،‭ ‬وكانت‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬وهي‭ ‬تضرب‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وهذا‭ ‬كان‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬ثبات‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬وكانت‭ ‬تبكي،‭ ‬فمر‭ ‬رجل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬عليه‭ ‬وقار،‭ ‬فقال‭ ‬لابنتي‭: ‬ماذا‭ ‬تفعلين؟ ابنتي‭: ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬هدوء‭ ‬الماء‭ ‬وجماله‭.‬ فقال‭ ‬لها‭ ‬الرجل‭: ‬لا‭ ‬تثيريه،‭ ‬وإنما‭ ‬دعيه‭ ‬يهدأ‭ ‬بنفسه‭.‬ فقام‭ ‬الرجل‭ ‬ومسك‭ ‬يد‭ ‬ابنتي‭ ‬حتى‭ ‬هدأ‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬فقال‭ ‬لها‭: ‬انظري،‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬المثارة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندعها‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬حتى‭ ‬تهدأ،‭ ‬حينها‭ ‬ستعود‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها‭.‬ حدث‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬أمام‭ ‬ناظريّ‭ ‬وأنا‭ ‬جالسة‭ ‬أستمع‭ ‬وأشاهد،‭ ‬وكأني‭ ‬أشاهد‭ ‬فيلما‭ ‬سينمائيا،‭ ‬ففكرتُ‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز،‭ ‬وقلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬نعم،‭ ‬نحن‭ ‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬نترك‭ ‬حياتنا‭ ‬تهدأ،‭ ‬أنا‭ ‬أثير‭ ‬زوجي،‭ ‬وهو‭ ‬يثيرني‭ ‬وبالتالي‭ ‬أنا‭ ‬أغضب‭ ‬وهو‭ ‬يغضب،‭ ‬فنعيش‭ ‬حياتنا‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬غضب‭ ‬وإزعاج‭ ‬وعدم‭ ‬توافق‭.‬ ومنذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬عزمت‭ ‬على‭ ‬التغيير،‭ ‬وبالفعل‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬بسلام‭.‬ قال‭ ‬أحد‭ ‬الإخوة‭: ‬دعوني‭ ‬أحكي‭ ‬لكم‭ ‬حكاية‭ ‬أبي‭ ‬مع‭ ‬جدي،‭ ‬وهذه‭ ‬الحكاية‭ ‬رواها‭ ‬لي‭ ‬والدي‭.‬ يقول‭ ‬والدي‭ ‬إن‭ ‬جدي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬رجالات‭ ‬البحر،‭ ‬يخرج‭ ‬هو‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬زملاء‭ ‬البحر‭ ‬لصيد‭ ‬الأسماك‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬البحر،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬مهنة‭ ‬جدي‭ ‬عن‭ ‬جده‭ ‬وعن‭ ‬جده،‭ ‬وهكذا‭.‬ استمرت‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال،‭ ‬وكان‭ ‬والدي‭ ‬–‭ ‬وهكذا‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬والدي‭ ‬–‭ ‬يأخذني‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الإجازات‭ ‬المدرسية‭ ‬حتى‭ ‬يورث‭ ‬لي‭ ‬المهنة،‭ ‬وبالفعل‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬والدي‭ ‬–‭ ‬فقد‭ ‬كنتُ‭ ‬أعشق‭ ‬البحر‭. ‬عاش‭ ‬والدي‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬سنوات‭ ‬كما‭ ‬يقول،‭ ‬وأصبح‭ ‬صياد‭ ‬سمك‭ ‬محترفا‭.‬ ذات‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الهدوء‭ ‬والصيف،‭ ‬طلب‭ ‬جدي‭ ‬من‭ ‬والدي‭ ‬أن‭ ‬يستعد‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬كالعادة،‭ ‬فيقول‭ ‬والدي‭ ‬إنه‭ ‬قام‭ ‬بتجهيز‭ ‬الأدوات‭ ‬والمواد‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إليها‭ ‬السفينة،‭ ‬وتم‭ ‬الاستعداد‭ ‬للخروج،‭ ‬وقد‭ ‬خروج‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬كالعادة‭.‬ يقول‭ ‬والدي‭ ‬كان‭ ‬البحر‭ ‬هادئًا،‭ ‬فسارت‭ ‬السفينة‭ ‬بكل‭ ‬هدوء،‭ ‬وقام‭ ‬الجميع‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬اصطياد‭ ‬الأسماك،‭ ‬وقام‭ ‬الطباخ‭ ‬بصنع‭ ‬الغداء‭ ‬والقهوة‭ ‬والشاي،‭ ‬وبعد‭ ‬الغداء،‭ ‬استمرت‭ ‬عملية‭ ‬الصيد‭ ‬وكان‭ ‬الصيد‭ ‬وفيرًا،‭ ‬وجاء‭ ‬المساء،‭ ‬وهكذا‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الأمور‭ ‬تسير‭ ‬وفق‭ ‬وتيرة‭ ‬واحدة،‭ ‬وكانت‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬هادئة‭.‬ وفي‭ ‬المساء‭ ‬نام‭ ‬عدد‭ ‬منا،‭ ‬وكنتُ‭ ‬أنا‭ ‬أحد‭ ‬الأفراد‭ ‬النائمين،‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬استيقظنا‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬صراخ‭ ‬حاد‭ ‬‮«‬موج،‭ ‬استيقظوا‮»‬،‭ ‬فقمنا‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬فزعين،‭ ‬تغيرت‭ ‬الأجواء‭ ‬بصورة‭ ‬حادة،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الأجواء‭ ‬والأمواج‭ ‬هادئة،‭ ‬تحول‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الهدوء‭ ‬إلى‭ ‬فيضانات‭ ‬وجبال‭ ‬من‭ ‬الأمواج‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬قمتها،‭ ‬وغدت‭ ‬السفينة‭ ‬ترتفع‭ ‬فوق‭ ‬الأمواج‭ ‬ثم‭ ‬تسقط‭ ‬بقوة،‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬الصعود‭ ‬والسقوط،‭ ‬فقام‭ ‬والدي‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬جدي‭ ‬–‭ ‬بربطي‭ ‬في‭ ‬سارية‭ ‬السفينة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أسقط‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬ربطي‭ ‬في‭ ‬السارية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬سقوطي‭ ‬في‭ ‬البحر‭.‬ استمر‭ ‬الوضع‭ ‬ربما‭ ‬ساعات،‭ ‬ربما‭ ‬دقائق،‭ ‬ربما‭ ‬ثوانٍ،‭ ‬لكنه‭ ‬استمر‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وفجأة‭ ‬هدأ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وعادت‭ ‬الأمور‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭.‬ وعندما‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬البر،‭ ‬سألت‭ ‬والدي‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬جدي‭ ‬–‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬فقال‭ ‬ببساطة‭: ‬هكذا‭ ‬البحر،‭ ‬جميل‭ ‬ورائع،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يؤتمن،‭ ‬تارة‭ ‬هادئ‭ ‬وتارة‭ ‬يثور،‭ ‬ولكن‭ ‬عليك‭ ‬أنت‭ ‬أن‭ ‬تتعلم‭ ‬حيث‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬بكل‭ ‬احترام‭ ‬وتقدير،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فالخسارة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬رأسك‭.‬ استمرت‭ ‬أحاديث‭ ‬الإخوة‭ ‬والأخوات‭ ‬المدربين‭ ‬حول‭ ‬ذكرياتهم‭ ‬أو‭ ‬حكايات‭ ‬آبائهم‭ ‬وأجدادهم‭ ‬مع‭ ‬البحر،‭ ‬حكايات‭ ‬كثيرة‭ ‬وقصص‭ ‬جميلة،‭ ‬ربما‭ ‬استفاد‭ ‬الإنسان‭ ‬منها‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬يستفد،‭ ‬وربما‭ ‬نسي‭ ‬بعضنا‭ ‬ولكنها‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬سوف‭ ‬تطفح‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬ويتعلم‭ ‬منها‭ ‬عبرة‭. ‬ Zkhunji@hotmail‭.‬com

مشاركة :