أرسل لي الصديق النشط عبدالله قصيدة للشاعر علي الربعي يصف فيها تأخر تثمين بيتهم في المرقاب وكيف تغيرت «المرقاب» بعد خروج أهلها منها، وبقي بيتهم حتى تم تثمينه عام 1975 قال فيها: في حارة المرقاب حنا الوحيدين عنا الحكومة خيرهم حاجبينه حتى جواخير الغنم والدكاكين تثمنت وابويتنا تاركينه وحيث إن بيتنا كان في المرقاب فقد أثارت القصيدة في نفسي ذكريات جميلة عن بيتنا أيضا، لكنني أختلف مع الشاعر حول موعد التثمين، فقد كان بيتنا هو آخر البيوت التي تم تثمينها حسب علمي، وكان ذلك في عام 1981، وهذه قصة بيت المرقاب: عندما تم تثمين بيوت العائلة في شارع الميدان الذي يعتبر بداية منطقة شرق عام 1958 أصر والدي، وهو من مواليد السنوات الأولى من القرن الماضي، على عدم الخروج من العاصمة، حيث كان يعتبر أن المناطق الجديدة مثل القادسية والفيحاء والدسمة هي مناطق بعيدة في البر، فقام في هذا التاريخ بشراء ثلاثة بيوت متصلة في المرقاب، وعندما توفي أخي الأكبر محمود قبل سنة ونصف وجدنا في التجوري (الذي كان يحتفظ فيه كعادته بكثير من الأوراق القديمة) صورة وثيقة بيتنا في المرقاب، وهذه الوثيقة تصف البيوت وصفاً دقيقاً، فتذكر عدد غرف كل بيت ومساحته، فالبيت الأول كان الأكبر وفيه عشر غرف وعشرة حمامات وأربعة لواوين وحوش كبير في وسطه نافورة كبيرة، والبيت الثاني الأصغر كان فيه المطبخ وثلاث غرف ودار الچيل (مخزن المواد الغذائية) وبعض المنافع، والبيت الثالث كان عمارة صغيرة من دورين، الأرضي مؤجر لمطعم عراقي اسمه (مطعم البصرة) وتعلوه بعض الشقق المؤجرة ومجموع مساحة البيوت هي ألف متر مربع. وتستطرد الوثيقة فتبين أن الوالد اشترى هذا البيت وملحقاته من سليمان العبدالله الأحمد بمبلغ مليون ومئتي ألف روبية وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الوقت، وتصف الوثيقة البيت بأن بابه الرئيسي كان مقابل مسجد الوزان أما العمارة والمطعم فعلى الشارع الخلفي، ثم تذكر أسماء الجيران وحدود منازلهم. وبحمد الله عشنا في هذا البيت سنوات بعد تجديده، وكانت ديوانية الوالد في المدخل الرئيسي للبيت تمتلئ في رمضان كل يوم للفطور الجماعي من رجال الأوقاف، وأذكر منهم الشيخ الحصري والإمام صالح الصالح إمام مسجد العتيقي وغيرهم، وكان حوشه الكبير ملعباً لأقراني من أبناء الفريج منذ أن كنت في الثاني الابتدائي حتى وصلت إلى الثاني الثانوي، حيث تم تثمين جميع البيوت المحيطة بنا وتحولت إلى مواقع خالية أو سكن للعمالة الوافدة تماماً، كما قال الشاعر الربعي في قصيدته، فقرر والدي شراء قسائم في المنصورية لأخي الأكبر محمود ولي ولأخي الأصغر يوسف عام 1967، ثم انتقلنا إلى المنصورية بعد انتهاء بنائها عام 1968، وانتقلت أنا من ثانوية الشويخ إلى ثانوية الدعيّة، واستمر بيت المرقاب ملكاً للوالد ومؤجراً لإحدى الشركات إلى أن تم تثمينه عام 1981 بمبلغ كبير بحمد الله، وذلك قبل وفاة الوالد بشهور قليلة، ومكانه الآن هو موقف السيارات التابع لمجمع الوزارات. ومن الطرائف أنه عندما حدثت أزمة قاسم عام 1961 انطلقت جموع المتظاهرين من قصر نايف إلى مطعم البصرة، وقاموا بتكسير النوافذ، وما زلت أذكر أن والدي كان غاضباً، ويردد أن هذا ملكنا وليس ملك المجرم قاسم. وبعد العثور على صورة الوثيقة أخذتها إلى ديوان الأحمد في الفيحاء، حيث قام بعض أبناء عائلة الأحمد بتصويرها، وتحدث بعضهم عن ذكرياتهم الجميلة في هذا البيت، وقال أحدهم مازحاً إنهم يجب أن يأخذوا قسماً من التثمين لأنه كان بيتهم في الأصل. الخلاصة أن أبيات الشاعر الربعي ذكرتني بقصة بيت المرقاب والذكريات التي لا أنساها فيه، وأعتقد أنه كان آخر بيت يتم تثمينه في المرقاب، والله أعلم.
مشاركة :