أدب الطفل..المُستتر الغائب

  • 3/8/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تبدأ مخيلة الطفل في ملامستها للأقاصيص الشعبية، بوصف هذه الحكايات الشفاهية هي مكتنز واسع ضمن التراث الشعبي لأغلب الشعوب أو الثقافات. وتقليدياً، لا يمكن لمجتمع أن يعيش دون حضور كمّ وافر من الموروث الشعبي الذي غالباً ما يستمد أغلب محتواه الأدبي من بعض القصص المكتوبة. ويبرز دور الحكواتية وثقافة الحكاية الشعبية التي يتم تعاطيها مشافهة كأسلوب ترويحي اجتماعي، وفي الوقت ذاته، يكون رافداً ثقافياً للأوساط الاجتماعية بكل تنوعاتها وتمايزاتها الاجتماعية، إلى درجة تتداخل فيها تلك الحكايات التي يظهر الشعر في بعض أجزائها، ضمن ما يمكن أن يوصف بأنه انعكاس مباشر لتأثيرات الشعر في الثقافة العربية بل وحتى في غير العربية، وهذا له أسبابه وتفاصيله التي لها مقامها الخاص. ويعَد القصص الشعبي من أبرز سمات الموروث الشعبي، الذي ينضح بالفكرة والدلالة في ثقافتنا الفلكلورية التي قد تتأثر كثيراً سواء من جهة المحتوى؛ باكتسابه أجزاءً أخرى من حكايات مختلفة، مع كونها تنتمي لثقافة واحدة، أو هي أساساً من ثقافة إنسانية أخرى، ولكن التداخل الثقافي الإنساني هو واقع قديم، كما هو في صوره الحديثة، وإن كان مثل هذا الكسب الثقافي أكثر جداً نتيجة تقارب الإنسان في واقعه الافتراضي أكثر من واقعه الحقيقي؛ كمفارقة كسرت قاعدتها مسببات عصرية متسارعة في التأثير؛ مما يتسبب في حدوث تحولات في الأدب والثقافة والفنون، ومن ذلك قد تظهر انزياحات أو تتوارى مصطلحات وراء تأثيرات الثقافات والآداب والفنون الأخرى. وفيما يرتبط بأدب الأطفال، فإنه يوصف بأنه مثل الفيتامينات لثقافة الطفل ووعيه؛ حيث تتبلور شخصيته، وتتكامل أنماط التفكير لديه. فلا بد أن تتوازى صحته الجسمية مع صحته النفسية وتوسع منظومة الذكاءات عنده. ولذلك نرى كيف تهرع المنظمات الإنسانية التي ترعى الطفولة حين يتعرض طفل لموقف سلبي، مهما كانت صورته. وحين يتم الحفاظ على تهيئة البيئة الثقافية الآمنة للطفل، ويستثمر أدب الأطفال كأحد الأشكال والطرق التي توصل لهم المعرفة وتغرس فيهم القيم والأخلاق، فإن هذا استشراف وإعداد لشخصيات المستقبل، والأمم المتطلعة هي التي تبرع في هذه التنشئة والتربية والتعليم لقادة المستقبل وصناع الحياة المقبلة. وفي الوقت الذي قد تتوسع فيه مساحة جيدة لخيال الطفل لقصة خيالية أو تراثية أو واقعية، فإنه يجب التنبه لاختيار أنواع القصص والاستفادة من توجيهات المختصين من التربويين والسلوكيين في هذا الشأن. فمثلاً، قد يأتي ما هو غث في محتواه أو شكله، وهو ما لا يصلح لبيئتنا وثقافتنا. وللوالدين دور رئيس في إعداد الطفل وتنمية مخيلته وتطوير قدراته وتوسيع مهاراته، التي قد تصل إلى أن يكون مبدعاً في واحد أو أكثر من العلوم أو الفنون. فإن المنطلق الأول لأهداف «أدب الأطفال» هو إمدادهم وتزويدهم بالمعارف النظرية والتطبيقية وتوسيع رؤاهم من خلال تنوع أنماط التعليم، والاستفادة من وسائل تكنولوجيا التعليم الحديث وتضمين القدرات الحركية والتعليم بالترفيه في صناعة خيال متدفق أدبياً عبر أنماط الذكاء اللغوي، كما هي الحال لغرس حب الأرض والإنسان في وجدانيات ووعي هذا الطفل ككائن مرهف الإحساس، يمتلك من الذكاءات والمواهب ما يصنع غالباً الدهشة. ولعل ما لدينا من اهتمام في أدب الطفل يعتبر غائباً، إن لم يكن عدماً، وهذا ما يشير مباشرة إلى دور الجهات الرسمية ذات العلاقة بهذه الجوانب، التي يفترض أن تقوم بأدوار تتبنى تحقيق أهداف، من خلال خطط حثيثة ورصينة في المحتوى والوسيلة والتنفيذ، وهذا يتطلب الاستفادة من الآخرين ممن لديهم تجارب ناجحة في هذه المضامين، فحين لا نشجع أديباً يهتم بأدب الطفل، لن يختفي دور هذا الأديب فحسب، وإنما سنفقد الفرصة التي يستفيد منها الطفل في امتلاك أدوات تكون شخصيته الناجحة بمواصفات يتطلبها الحاضر ويحتاج إليها المستقبل. إننا بحاجة إلى صناعة الجمال داخل أجيال المستقبل، ومفردات الثروة الحقيقية في أمتنا، وإلا فمن ضيعه الأقرب، أتيح له الأبعد. إن أدب الأطفال لا يعني الإسفاف والهرج والابتعاد عن المقاصد الحقيقية التي تسعى في رسالتها الإنسانية إلى تكوين شخصية الطفل. ولهذا، فإن دور الأديب ليس من أجل صناعة السَّمر والترفيه على حساب القيمة، وفي كل طفل من الأطفال عبقري، إن نحن نجحنا في إشباعهم الإنساني والمعرفي، ومن باب المشاكلة، تصح مقولة: قل لي كيف تعد طفلك، أقل لك من أنت.

مشاركة :