لمدن الأندلس طابعٌ خاص، فهي تعج بالحضارات العريقة. حين تطأ قدماك إحدى مدن الأندلس، تتدفّق داخلك شلالات المشاعر المختلطة، فتارة تشعر بالدهشة من جمال ما ترى، وتارة تنتابك مشاعر الحنين فتشعر كما لو أنك تلمح خيالات أجدادك من المسلمين تمرّ من هناك.. كيف لا ولنا في هذه المدن ذكريات تناديك جدرانها: أنا هنا، أنا هنا. في جنوبي إسبانيا وسط البحر الأبيض المتوسط، تتربع مدينة ملقا على عرشها كعروس بحر تائهة، تحظى بالكثير من أشعة الشمس على مدار العام، لتُغري السياح بشمسها الذهبية صيفاً وشتائها الدافئ نسبياً، فتجد السياح يتفقون لزيارتها طوال العام من كل حدب وصوب، وهي تُعد ثاني أكبر المدن في إسبانيا بعد مدينة إشبيلية، وتتميز بكونها مدينة نظيفة للغاية حتى لتكاد ترى الناس يمشون حفاة الأقدام فيها من لمعان شوارعها العتيقة، ومع ذلك تشتهر ملقا بكونها مدينة عصرية تعبّر عن الطابع الحديث للأندلس. تُعتبر ملقا مدينة قديمة للغاية، حيث تعود أصول نشأتها للفينيقيين، كما سيطر عليها الرومان ثم القوط، حتى وقعت تحت حكم المسلمين عام 711هـ، فأصبحت من أكثر المدن ازدهاراً في تاريخ الأندلس، وقد زارها الرحالة «ابن بطولة» عام 1825م، وأشاد بكونها إحدى أجمل وأكبر المدن في الأندلس، حيث تتميز بسحرها وجمالها الخاص، ويغطي الحجر البرتقالي معظم أراضيها في منظر يجعلك تنشد لها أجمل الأشعار. تُعتبر كاتدرائية ملقا ثاني أكبر كاتدرائية في إسبانيا وخامس أكبر كاتدرائية في العالم، وهي بنيت على أنقاض المسجد الكبير، وبدأ إنشاؤها عام 1825م واستغرق بناؤها 250 عاماً، على الطراز الباروكي الحديث، وهي كنيسة حديثة نسبياً. ومن الأماكن الشهيرة التي يمكنك زيارتها في مدينة ملقا، القصبة العربية التي تُعتبر أفضل قصبة محفوظة في الأندلس، بما فيها من تصاميم أندلسية ونقوش إسلامية، فتجد الناظر إلى جدرانها يتمعّن بالخط الكوفي المنقوش بعناية وكأنها تخبرك بأن أجدادك كانوا يوماً هنا. وفي ملقا، يوجد متحف بيكاسو الذي يضم أشهر اللوحات الفنية للرسام الشهير بابلو بيكاسو، ويُعتبر المتحف من أشهر المعالم السياحية التي تستقطب أعداداً كبيرة من السياح سنوياً، ثم يمكنك التوجه للمشي في شارع الماركيز لاريوس، والذي يُعتبر أجمل الشوارع في إسبانيا، بما فيه من زينة تسحر الأنظار. وحينَ تمل من الأماكن التي تعج بالسكان، يمكنك الذهاب لزيارة المسرح الروماني، الذي يُعتبر أحد أقدم الآثار الرومانية في إسبانيا والقلب الثقافي الأعظم في ملقا، وفي نهاية جولتك يمكنك الاسترخاء على شاطئ «مالاغيتا»، والاستمتاع بالمشي على الرمال الناعمة ومشاهدة منظر تلاطم الأمواج تحت أشعة الشمس الدافئة.. كل هذا الجمال وأكثر ستجده عند زيارة ملقا، المدينة الأندلسية الساحرة.
مشاركة :