كأنه مقدَّر لهموم وقضايا التربية والتعليم أن تبقى الشغل الشاغل للمجتمع، وأن تبقى محور نقاشاته، والبيئة الخصبة للتجاذبات الحادة -أحيانًا- بين منسوبي التربية والتعليم والمجتمع عمومًا. بالأمس جاء القرار الملكي الكريم ليضع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل على رأس هرم وزارة التربية والتعليم التي تُعد أكثر الوزارات انفتاحًا على المجتمع، والأكثر التصاقًا بشرائحه المختلفة، وتُعدُّ بمثابة الخطوة الأولى التي يتشكل في ضوئها مستقبل الطالب، وعليها تُعقَد الآمال لبناء أجيال صالحة نافعة تنهض بالوطن، وترتقي به خطوات بعيدة في سُلم السباق العالمي نحو الصدارة. وبنظرة سريعة على مسيرة وزارة التربية والتعليم نجدها كالسفينة التي تصارع الأمواج العاتية، ونتيجة حتمية لتلك الأمواج نجدها تسلك طرقًا شتى بحسب الظروف والمتغيرات، وأحيانًا بحسب الدعوات المتعالية من داخل المجتمع التربوي ومن خارجه؛ فمرة نجدها تُعنى بالمعلم على حساب الطالب، ومرة تقف بشدة إلى جانب الطالب على حساب المعلم. ثم إننا لو دققنا في مسمّى التربية والتعليم لوجدناه يتضمن مفهومين الأول (التربية) والثاني (التعليم)، وكلاهما مكملان لبعضهما؛ فهما يرميان للوصول إلى مُخرَج جيد مُتَحَلٍّ بالصلاح والنفع، متسلِّحٍ بالعلم والمعرفة، غايته النهائية مصلحة الوطن. نحن إذن أمام مفاهيم أربعة هي: (المعلم، الطالب، التربية، التعليم) وكل مفهوم من هذه المفاهيم يستحق أن تفرَد له صفحات؛ نظرًا للأهمية البالغة التي يمثلها. وكما ذكرتُ آنفًا فالوزارة سلكت خلال مسيرتها عدة طرق؛ ففي بداية (العقدين الأخيرين) كان اهتمامها الأكبر منصبًّا على التربية ثم التفتت في وسطهما -قليلاً- إلى المعلم، وفي نهايتهما ركَّزت على الطالب -وخاصة حقوقه- بشكل مبالغ فيه، حتى طغى على المفاهيم الأخرى وبفارق كبير. وإن وُجد نوع من الاهتمام بـ(التعليم) ففي ظني أن البدايات الأولى للوزارة كانت هي الميدان الذي شهد نوعًا من الاهتمام به والعناية بمتطلباته. واليوم تشهد الوزارة مرحلة جديدة في مسيرتها الممتدة بعد أن تسلم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل قيادتها وأُوكل إليه تسيير عجلتها، وهو الذي يأتي محملاً بخبرة إدارية ممتدة، ورؤية ثاقبة، وفكر نيِّر. يأتي وقد تعالت الأصوات بضرورة القيام بعملية إصلاح شاملة للتربية والتعليم؛ تُعيد للمعلم حقه، وتمنحه مكانته التي تقتضيها مهنته، وتعطيه صلاحياته التي فقد جزءًا كبيرًا منها، على أن يعي أدواره المنوطة به فيعمل على الوفاء بها. وتُعيد للتعليم رونقه وبهاءه، وتجعل منه وسيلة لا غاية، وتعيد إليه ما فُقد منه، بحيث يغدو مجالاً خصبًا لاكتساب العلوم والمعارف والمهارات التي تغدو سندًا للطالب في مستقبل حياته. وتعمد إلى التربية فتجعلها تمتد إلى المنزل والأسرة والمجتمع، فتصبح سلوكًا وأفعالاً محسوسة أكثر منها أقوالاً لا تتعدّى حناجر متقمصيها. وتعمد إلى الطالب فتعمل على تبصيره بما له من حقوق وما عليه من واجبات، وتعمل على إعادة صياغة المفهوم الحقيقي لطالب العلم الراغب في تحصيل المعرفة واكتساب القدرات وتنمية الفكر، وليس المفهوم (السائد حاليًّا) بين المتعلمين المبني على مفاهيم مغلوطة حوّلت المتعلم من متلقٍّ للمعرفة ومشارك فيها إلى السيد المهاب الذي لا يُرد له طلب، ولا يجوز التبسّم في وجهه، فضلاً عن نصحه وتوجيهه. مجتمع التربية والتعليم يتشوّق لإجراءات تصحيحية حاسمة يتخذها الفيصل تعيد لأركان العملية التربوية والتعليمية الأربعة توازنها، مع ضرورة الالتفات للمباني المدرسية والخريجين والخريجات الذين يقفون على قائمة الانتظار، وقضية المعلمات البديلات، وغيرها من القضايا العالقة التي نأمل أن يكون قد آن الأوان لمعالجتها بعد طول انتظار. وبعد.. فلندع الخلافات الفكرية وعملية التوجس والتربص والتصفية والاستقواء، ولنضع أيدينا في يد الفيصل إن كنا بحق نروم إصلاحًا جذريًّا للتربية والتعليم. Mashr-26@hotmail.com Mashr-26@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :