في أحد الأزقة الضيقة بحي الجمالية في القاهرة القديمة، كان صانع الأدوات والتحف النحاسية عبد النبي هنداوي البالغ من العمر 65 عاما منهمكا في صناعة إناء من النحاس في ورشته، وسط موجة حر شديدة. ويكافح الحرفي المصري، الذي يعمل في هذا المجال منذ حوالي 40 عاما، لإنقاذ ورشته القديمة ومهنته من خطر الانقراض. وقال هنداوي في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن حرفة صناعة النحاس والنقش عليه تعتبر من أقدم الحرف في مصر، مضيفا أن هذا الحي كان بمثابة عاصمة صناعة النحاس في مصرعلى مر التاريخ، لكن القليل من الورش لا يزال موجودا الأن. وأوضح هنداوي، بينما كان يضرب بمطرقته على وعاء كبير مخصص لصانعي الحلوى، أنه يصنع في ورشته أواني الطهي، والمزهريات، والأوعية الخاصة بالتخزين، والأهلة التي توضع على المآذن والقباب، والديكورات المنزلية وأشكال فنية أخرى. وقال هنداوي، الذي ورث المهنة عن والده، كانت المنطقة تعج بورش صناعة الأدوات النحاسية والنقش على النحاس، لكن تتلاشى أعدادها الأن مع تقاعد الحرفيين من أبناء جيله أو وفاتهم. وبحسب هنداوي، فإن الأجيال الشابة تفضل الحصول على المال بشكل سريع من خلال أعمال سهلة أو وظائف مكتبية، كما أنهم لا يرغبون في الدخول في التجارة وسط تراجع السوق، بالإضافة إلى ذلك أدت الأسعار المرتفعة في سوق النحاس العالمي إلى انخفاض طلب المستهلكين، مما أثقل كاهل أصحاب الأعمال والصناع. وأوضح هنداوي أن ارتفاع تكلفة النحاس دفع بالعديد من الحرفيين إلى البحث عن وظائف أكثر ربحية، مضيفا أن البعض الآخر استبدل مادة النحاس بمعادن أرخص في صنع منتجاتهم، والتي تفوق المنتجات النحاسية في المنافسة الأن. ووفقا لهنداوي، يفضل العملاء الآن شراء السلع الأرخص المصنوعة من مواد غير مكلفة مثل البلاستيك والألمنيوم والألياف الزجاجية، وهو اتجاه أضر بشكل كبير بأعمال صناعة النحاس. وعلى مقربة من ورشة هنداوي، عرضت العشرات من المتاجر التحف النحاسية والزخارف والهدايا التذكارية في سوق خان الخليلي السياحي التاريخي في القاهرة القديمة. بدلا من صناعة الأواني وأدوات المطبخ، قدم حسام العسكري، وهو حرفي مصري شهير في صناعة النحاس في الخمسينيات من عمره، نهجًا مبتكرا لهذه الحرفة. وقال العسكري، وهو مدير وصاحب شركة للصناعات النحاسية، إن عائلته تعمل في صناعة النحاس منذ أكثر من 70 عاما، مؤكدا أن صناعة النحاس أكثر من مجرد حرفة بالنسبة له. بينما اعتمد أسلاف العسكري أسلوبا قديما تقليديا في صناعة أدوات المطبخ والزخارف الكبيرة، قرر العسكري الارتقاء بالحرفية إلى مستوى الفن. وقال العسكري في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) وهو جالس على مكتبه الذي أحيط بتحف نحاسية متنوعة في متجره، إن الفن ليس له حدود، موضحا أنه يحاول تطبيق كل فكرة إبداعية جديدة لتطوير هذه الحرفة الفنية. ويصنع العسكري الزخارف والديكورات المنزلية، والأواني المنقوشة والمزهريات، وإطارات الصور، والعديد من التحف الأخرى، كلها في شكل فني، حيث يعتمد بشكل أساسي على مشتريات السياح. كحال زميله هنداوي، أكد العسكري أن الحرفة تحتضر بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام ونقص الحرفيين المهرة. ورغم الظروف العصيبة التي تمر بها تلك الصناعة في مصر، يرى العسكري بصيصا من الأمل قد يعيد صناعة النحاس إلى سابق عهدها، موضحا أن الحكومة تحاول جاهدة إعادة الحياة إلى هذه الحرفة العريقة. وأوضح العسكري أن الحكومة ساعدتنا من خلال تنظيم العديد من المعارض المحلية والدولية على مدار العام لعرض منتجاتنا وبيعها، وأعتقد أنه يجب أن تركزالحكومة على إنشاء مدارس وبرامج التعليم المهني للشباب، حيث سينقذ هذا النهج الحرفة من الانقراض. وكان وزير التنمية المحلية هشام آمنة، أكد مطلع هذا الأسبوع أن دعم الحرف اليدوية والتراثية ودعم التنمية الاقتصادية يأتي على رأس أولويات أجندة الوزارة، بما يتماشى مع رؤية "مصر 2030"، وبرنامج عمل الحكومة. وأضاف الوزير، خلال افتتاح معرض "أيادي مصر" للحرف اليدوية والتراثية بالقاهرة، أن وزارة التنمية المحلية تعمل على تعظيم الاستفادة من المزايا التنافسية المحلية من خلال دورها التنسيقي بين المستويين المركزي والمحلي. وأكد الوزير أن مثل هذه المعارض تعد فرصة جيدة لتسويق المنتجات اليدوية والتراثية، من خلال توفير منافذ لبيع وعرض هذه المنتجات في مناطق حيوية. وأوضح أن عام 2017 كان نقطة انطلاق حقيقية للدولة المصرية نحو دعم ورعاية الحرف التراثية باعتبارها جزءا مهما وأساسيا من المكون المادي للهوية الثقافية للشخصية المصرية وفقا لتوجيهات القيادة السياسية نحو تقديم كل أوجه الدعم لأصحاب هذه الحرف للحفاظ عليها وتنميتها، حيث سارعت الحكومة المصرية إلى ترجمة هذه التكليفات على أرض الواقع من خلال عدد من المبادرات والمشروعات المعنية بالصناعات اليدوية والتراثية بكافة المحافظات. وشدد الوزير على تعزيز التضافر بين جهود جميع الفاعلين لدعم التنمية المحلية المتكاملة، مشيرا إلى أن الوزارة تعمل في إطار خطة استراتيجية وضعتها لمشروع "أيادي مصر" للاستمرار في تطويره وتوسيع نطاقه لزيادة الانتشار وفتح أسواق جديدة للمنتجات التراثية المصرية بتعاون كامل مع وزارة التضامن الاجتماعي والمحافظات.
مشاركة :