يعتقد عديد من صانعي السياسات خطأ أن العملات المشفرة وسيلة للمضاربة. لكن هذا التفكير يتجاهل الابتكار الثوري الذي توفره تقنية "بلوكتشين"، فهي تمكن الجهات الفاعلة الاقتصادية من جني أموالها وإجراء معاملاتها بأقل تكلفة. ويجري تبادل الآلاف من العملات المشفرة مقابل السلع والخدمات والعملات "المشفرة" الأخرى من جانب الحكومات والشركات والأفراد في أكثر من 45 ألف سوق، تديرها 524 منصة تبادل مركزية. يجب أن يفهم المنظمون أربعة أشياء تتعلق بالعملات المشفرة، أولها أنها ليست بديلا للدولار أو اليورو أو العملات الورقية الأخرى، فالواقع أن بحثي أظهر أن العملات المشفرة تسهم في الدولرة. ثانيا، تعمل بورصات العملات المشفرة على تقويض سلاسل الكتل باستخدام مسك الدفاتر المركزي الخاص بها، فقد تم الاحتفاظ بأكثر من 90 في المائة من عملة "بيتكوين" المتداولة في 2021 كأصول خاضعة للوصاية في البورصات. وهذا يعني أنه إذا انهارت الأسواق، سيخسر العملاء أموالهم. ثالثا، تعتمد عديد من سلاسل الكتل اللامركزية على خدمات اقتصادية مركزية، مثل تدقيق الحسابات في مجال تجارة السلع الأساسية. إن التشفير هو ابتكار يوجد النظام، وليس الفوضى. والنقطة الأخيرة هي أن أشكالا مختلفة من المنطق المالي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الاقتصادات المشفرة بالفعل، ما يجعلها ملاءمة للتنظيم بدرجة تجاوزت توقعات كثير من الناس. أما فيما يتعلق بكيفية تنظيم الصناعة، فإن العملة الرقمية للبنك المركزي CBDC لها أهمية حاسمة، لأنها ستزود الحكومات بأداة مالية تتطابق سرعة معاملاتها مع سرعة المعاملات في العملات المشفرة. وفي الوقت الحالي، تعد العملات المستقرة بعيدة عن متناول البنوك المركزية، حيث تقلد العملات الورقية مثل الدولار دون تحمل التكاليف السياسية والاقتصادية لصيانة العملات الورقية. وفضلا على ذلك، سيكون من الأسهل تنظيم عمليات التبادل من خلال تتبع قيمة العملة المشفرة بمجرد إمكانية التصريح عنها والتعامل بها استنادا إلى العملة الرقمية للبنك المركزي. قبل كل شيء، يجب على الهيئات التنظيمية ضمان تكافؤ الفرص. وهذا يعني منع منصات البورصة من إصدار أموال البيانات الخاصة بها أو أصول العملات المشفرة القابلة للتداول، وإلا فستتنافس على منصاتها الخاصة. وينبغي أيضا مطالبة بورصات العملات المشفرة بالاحتفاظ بجميع الأصول الخاضعة للوصاية بعيدا عن متناول متداوليها أو أصحابها، وهو إجراء تنظيمي بسيط كان من شأنه أن يحمي استثمارات العملاء بعد انهيار FTX "إف تي إكس". ختاما، يمكن للسلطات الضريبية استخدام العملات الرقمية المشفرة لتحديد مزيد من المعاملات الخاضعة للضريبة واقتراح ضريبة جديدة على دخل العملات المشفرة، ومن ثم زيادة الإيرادات. في الوقت الحالي، ما زال صانعو السياسات يتصرفون مثل هؤلاء التجار العنيدين في البندقية. والمشكلة ليست في العملات المشفرة، بل في تنظيمها. لقد حان الوقت لتقبل فكرة أن العملات المشفرة باقية وستستمر، ولوضع القواعد الصحيحة لتنظيمها. خاص بـ"الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :