لا يستطيع مجتمعنا أن يقوم بمهمة واحدة دون الحاسب الآلي، فقد غدا الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت جزءاً لا غنى عنه في حياتنا اليومية، وقد أصبح لهذين الاختراعين أثر عميق في الثقافة الإنسانية في جميع مستوياتها. لا شك أن هنالك استخدامات منطقية للحواسيب في التعليم، كما أن شبكة الإنترنت مصدر مذهل للمعلومات، ولقد انطلقنا بسرعة الريح في التطور التكنولوجي، إلا أن تطورنا في فهم آلية التعلم لدى الإنسان، وطرق التعاطي معها، لم يتجاوز الحدود الزمنية للقرن التاسع عشر. إن ما نفعله اليوم حقيقة، هو أننا نستخدم الحواسيب لنغلف بها فهمنا للتعليم، حيث إن غالب البرامج التعليمية مستندة إلى أدوات تصميم جذابة، وليست منطلقة من البحث العلمي القائم على التجربة والخبرة، وإن هذه البرامج تجعل العالم الافتراضي أكثر أهمية من العالم الحقيقي. إن الدراسات والأبحاث العلمية أشارت إلى أن التعليم عن طريق التجربة والخبرة والتفاعل مع الأقران يعطي نتائج أفضل بكثير من التعلم في حلقات بحث مبرمجة حاسوبياً. وإن وجد دليل على أن الحواسيب تمتلك القدرة على تعليم المهارات الأساسية بطريقة أفضل من الطرق التقليدية، فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل البرامج التعليمية المعتمدة عليها في الغالب تحقق أهداف التعليم؟ وهل هي تخاطب أنماط التعلم الأربعة جميعاً (الفكري، السمعي، البصري، الحركي)؟ وهل جميع الطلاب أسلوبهم المفضل في التعليم واحد؟ إن جوهر النظام التعليمي ليس اكتساب المعلومات فحسب، بل إنه حقيقة الوصول بالطلاب إلى مرحلة التفكير بالمعلومات. فوجود حاسوب على كل مقعد، والبرمجيات التعليمية، لم يكن أمراً موجهاً إلى فكر الطالب، وليس وراء من قام بتصميمها، خبراء في المناهج وطرق التدريس في طريقة عرضها، فإنها مثل أي وسيلة تعليمية أخرى، والخطورة تكمن فيما إذا كان الطالب فيها سلبياً يعتمد على التلقين، وكأنها محاضرات مسجلة بالفيديو لا تثير النشاط لديه، ولا تشعل فتيل الفكر عنده للمناقشة. إذا نجح الحاسوب في إنقاذنا، وفي أن يكون عاملاً مسهماً في النظام التعليمي، فإن له دوراً كبيراً يلعبه، وسأرفع قبعتي له احتراماً للخدمات التي يقدمها، أما إذا ارتأى أنه البديل الوحيد للمعلم في غرفة الصف، فإن هذا يعني أن نطلب منه ما هو غير قادر على تحقيقه، حينئذ سيضل الطريق، ويعطي نتائج عكسية تماماً.
مشاركة :