كثير من الأقنعة.. قليل من الوجوه - نجوى هاشم

  • 3/15/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل تعرف جيداً كل الذين حولك؟ او من تتعامل معهم بصورة مستمرة؟ هل تعرفهم.. وتثق أنهم هم الذين تعرفهم منذ سنوات؟ هل صحيح أنّ الوجوه ثابتة.. لكن النفوس هي المتغيرة؟ تستغرب أحياناً من شخص تعرفه جيداً أو تعتقد أنك تعرفه جيداً.. وكيف يتصرف أو يتعامل مع من حوله.. ومعك أنت.. وحرصه التام على أن يرسم صورة مثالية له أمام الآخرين.. بالكلمة والسلوك.. والهدوء.. والحرص على حسن التعامل.. والصورة المتوازنة التي يصدّرها بتواضع ومودة.. كغمامة من الندى.. لا تحاول أن تقرأ أفكاره.. أو تتحايل على زمن شائك لتصل إليه من خلاله.. فهو كالصفحة البيضاء.. مفتوح المدى.. يطرح نفسه وأفكاره بوضوح.. بود غير مشروط.. وقد تمضي سنوات طويلة وأنت تتعامل مع هذا الشخص بالثوابت وليس المتخيل.. بالقرب الذي ترى أو اعتقدت أنك حددته.. أو عبرت الزمن من خلاله له.. وقد تقاتل من أجل إثبات هذه المعرفة ليس للشخص ولكن لمعرفتك كما اعتقدت.. هذا بالنسبة للأشخاص القريبين منّا..! أما العابرون أو من نلتقيهم للوهلة الأولى.. أو من نعرفهم معرفة عمل أو سفر.. أو مناسبة.. فهؤلاء يختلفون كثيراً عمن تعرفهم.. وقد يقع عليك الخطأ الأكبر في أنك لم تتأنّ في معرفتهم.. أو تصدر حكمك عليهم بعد معرفتهم القصيرة.. وظل حديثك معهم كحديث ناقص لم يستكمل بعد.. وبالتالي رأيت الصورة ولم تتأملها جيداً ربما لأنك لم تكن حريصا على ذلك.. أو تهتم به.. لأنك لست مخولاً بقراءة الوجوه.. لكن كم عدد الوجوه التي لم نقرأها جيداً؟ وكم عدد البشر الذين نعرفهم أو سنعرفهم ولم نعرف وجوههم حتى اللحظة؟ يقول لويجي بيرانديلو "في هذه الرحلة الطويلة من الحياة.. سوف تواجه الكثير من الأقنعة.. والقليل من الوجوه..". على عكس ما نعتقد نحن نواجه كل يوم الكثير من الوجوه.. لكن لانرى الاقنعة.. إلا عندما نصطدم بموقف ما.. يسحب ذلك الوجه من الذاكرة الذي ترسخ داخلها ويعرض الصورة الجديدة أو الوجه الجديد بعد سقوط القناع عنه.. ويجعلك تثير التساؤلات.. وتُكثر من علامات التعجب.. لأنك فشلت في التفريق بين الوجه الحقيقي وبين القناع.. بين ما تعلمته في الحياة وهو الأخذ بحسن النوايا أو بمعنى آخر.. التعامل معه بنيتك أنت وليس نيته هو.. وأنّ هذا وجهه الحقيقي والذي عليك أن تتعامل معه على أساسه.. تعاملت مع الوجه المتاح أمامك.. أو الشخص وأنت تعتقد أنه هو.. وأنّ الرياح التي تهب.. وتفتح النوافذ أحياناً هي الرياح العادية.. هذا ما تتوقف عنده الآن.. تتعلق بقشة الرياح التي طالما هزت النوافذ.. وهي مواقف عبرت بينكما لكن لم تعطها حقها أو تهتم بها جيداً.. وتركتها تعبر مستنداً على طيبتك ورحابة صدرك.. وقدرتك على الاحتمال التي تفيض أحياناً.. لم تُعرج على منطقة الوجوه.. ولم تقترب منها.. باعتبار أنها خارج ما تعلمته وخارج هذا الشخص.. وبعيداً عن ذلك الإرث الصاخب الذي حملناه منذ طفولتنا من التحذير من بعض الناس وبعض البشر.. وأنهم لا يناسبوننا.. أو أننا لايمكن أن نتفق معهم.. في لحظة ذهنية صافية تتوقف أمام منطقة النوافذ وكيف كنت تحاول تهدئة تلك الرياح التي تهب.. وتحتويها بهدوء.. وتعتبرها جزءاً من الطقس الذي يحضر بين آن وآخر.. وتكريس أنه كارثي يدخل الأمور في نطاق التضخيم.. ولذلك عندما هدأت وقرأت الصورة اكتشفت أنّ تلك الرياح كانت بوادر عواصف لم تتنبه لها ولم تهتم بها.. وأنها كشفت عن الوجه الحقيقي الذي لم تعرفه أو جاهدت طويلا ً لتهرب منه.. وكنت تصرّ على أنه هو الوجه الذي إن تركته اليوم ستجده غداً أو بعد شهر وكأنك تركته بالأمس..! لايولد شيء من فراغ.. هل ذلك صحيح.. وهل الأقنعة تعرض نفسها أحياناً كالوميض ولانراها في لحظات استهلاكنا للوجه المزيف؟ نؤمّن على الوجه المزيف دائماً وكأنه الحقيقي.. ونؤمن به وكأنه نحن أو جزء منّا.. فوجهك مرآتك.. وهو كما يُقال مرآة العقل أو ما تريد أن تصدّره للآخرين.. وثباته يعتمد على مصداقيتك مع نفسك أولا ً.. وكونك لاتحمل غير هذا الوجه.. هو الذي يراه الناس.. وهو داخلك الذي تتعامل به.. يقول كارل ماركس "مررت بظروف قاسية.. ولكنّ وجهي لم يتغيّر..".. ذلك أن ّ البعض يعزو تغيره إلى الظروف التى كسرته أو تلك الأيام التي لم ترحمه.. وفاضت عليه بقسوتها كما تفيض البحار وتهز اليابسة.. وهذا تفسير غير صحيح.. لأنّ الروح لاتتغير.. والوجه لمن يقرأ الوجوه جيداً انعكاس حقيقي للداخل.. للعقل.. ولو دققت في عيني شخص ستعرف قلبه وحديثه.. فالقلوب شواهد.. ولذلك تلتقي شخصا للمرة الأولى ورغم كل من يعجبون به تجد نفسك غير مرتاح له.. قرأت في عينيه شيئاً لم تحبه أو ينفذ إليك.. وجهه ليس وجهه الذي يتعامل الناس معه من خلاله.. في الغالب ستجد نفسك بعيداً.. ولايعنيك..! وجهك مسؤوليتك.. فكل إنسان يصبح مسؤولا عن وجهه بعد سن معينة كما يقول كامو.. هذا الوجه هو الذي يصل إلى الناس ويحكمون من خلاله.. عليك.. ولكن أنت المسؤول عن تصدير ما تريده.. لهم.. وما ينبغي أن يصل إليهم.. من وجه حقيقي أو مزيف.. يقول شكسبير "أعطاك الله وجهاً فصنعت سواه"..! نحن وجوهنا.. ولكن هل من الضروري أن نغيرها..؟ وكيف لك أن تقضي نهارك محاولا التمييز بين الوجه الحقيقي، وبين القناع.. وهل تمتلك هذا الوقت؟ ليست الوجوه الساكنة هي من ترتدي الأقنعة فحتى الضاحكة والمتحركة.. والعبثية.. وجوه دبت فيها فوضى الأقنعة..!

مشاركة :