شهدت الساعات الأولى من يوم السبت الماضي هجوماً مفاجئاً من جانب مقاتلين فلسطينيين على الأراضي المحتلة، ما أثار توترات جيوسياسية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط. ومع ظهور تداعيات الصراع بشكل فوري على الأسواق المالية العالمية، كان للنفط النصيب الأبرز من التحركات، وسط مخاوف بشأن تضرر محتمل للإمدادات في سوق يشهد بالفعل نقصًا للمعروض. ردود أفعال فورية - ارتفعت أسعار النفط بنحو 4 في المئة عند تسوية تعاملات الاثنين، مع تصاعد القلق بشأن الأزمة في الشرق الأوسط. - خام برنت القياسي تسليم شهر ديسمبر ارتفع بنحو 5 في المئة خلال التعاملات ليلامس مستوى 89 دولارًا للبرميل، قبل أن يغلق مرتفعًا 4.2 في المئة عند 88.15 دولارا. - صعد خام نايمكس الأميركي تسليم نوفمبر بنسبة 4.3 في المئة إلى 86.38 دولارا للبرميل، مقلصًا مكاسبه التي وصلت إلى 87.2 دولارا. - أسعار النفط استعادت جزءاً من خسائرها المسجلة في الأسبوع الماضي، والتي جاءت بفعل مخاوف مرتبطة بالطلب على الخام واستمرار معدلات الفائدة المرتفعة حول العالم. وقبل الهجوم الأخير، فقدت أسعار النفط أكثر من 10 في المئة من قيمتها في خمسة أيام فحسب، مع قوة الدولار والمخاوف المرتبطة بتباطؤ الاقتصاد العالمي، وكانت أسعار النفط قد ارتفعت بشكل قوي في الأشهر الماضية، ليصعد خام برنت من قرب 70 دولاراً في يونيو الماضي إلى أكثر من 97 دولاراً في نهاية سبتمبر، واستفاد النفط في الأشهر الأخيرة من تمديد السعودية وروسيا لخفض إنتاج وصادرات النفط حتى نهاية العام الجاري، ليتحول سوق الخام إلى العجز هذا العام. مخاوف اتساع نطاق الأزمة جاء ارتفاع أسعار النفط مع قلق المستثمرين من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط ليشمل دولا أخرى، ما قد يهدد بالإضرار بالمعروض من الخام، ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصادر قولها إن مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا في التخطيط للهجمات الأخيرة في الأراضي المحتلة، لكن مسؤولين أميركيين أشاروا إلى عدم وجود أي دليل على تورط طهران في الأمر. وقال أولي هانسن رئيس استراتيجية السلع في «ساكسو بنك»، إن خطر التصعيد لايزال مرتفعًا مع ترقب ردود الأفعال من كافة أطراف الصراع، ورغم عدم وجود تأثير على إمدادات النفط حالياً، فإن ارتفاع الأسعار جاء مع قيام المتداولين بإضافة علاوة المخاطر الجيوسياسية مرة أخرى إلى السعر. وأشار هانسن إلى أن الأسعار استفادت أيضا من الطلب الجديد، بعد الحركة التصحيحية القوية التي حدثت في الأسبوع الماضي وتسببت في عمليات تصفية للمراكز طويلة الأجل، خاصة بالنسبة لخام برنت، لافتا إلى ان الأنظار تتجه إلى ما إذا كانت رقعة الصراع في الشرق الأوسط ستتسع لتشمل إيران، في حال توجيه أصابع الاتهام بشأن المساعدة في هجوم «طوفان الأقصى». وخففت الولايات المتحدة التزامها بالعقوبات المفروضة ضد طهران في الفترة الأخيرة، ما سمح لإيران بزيادة إنتاجها النفطي لأعلى مستوى في خمس سنوات. لكن هانسن أشار إلى أنه في حال تم اتهام إيران بالمشاركة في التصعيد الأخير، فإن هناك احتمالية لفرض عقوبات أكثر صرامة، ما قد يؤدي إلى قيود على المعروض من النفط وتشديد الإمدادات في السوق، وشهدت صادرات النفط الإيرانية تراجعًا حادًا بعد إنهاء الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للاتفاق النووي في 2018، لكن تخفيف الرئيس الحالي، جو بايدن، لـ»نبرة» العقوبات ضد طهران دفع إنتاجها من النفط للارتفاع بنحو 600 ألف برميل يومياً لتصل إلى 3.2 ملايين برميل يومياً في الفترة بين نهاية 2022 ومنتصف العام الحالي، بحسب «سيتي غروب». ماذا يقول التاريخ؟ لا يعتبر أي من طرفي الصراع في الوقت الحالي لاعبًا مهمًا في مجال النفط، حيث إن كليهما لا ينتج تقريبًا أي كميات من الخام، لكن الاضطرابات تقع قرب دول أخرى تعتبر من المنتجين والمصدرين الرئيسيين للنفط حول العالم. وقال الاقتصادي إد يارديني رئيس شركة «يارديني ريسيرش»، إن الأزمات الجيوسياسية في الشرق الأوسط عادة ما تتسبب في ارتفاع أسعار النفط، لافتا إلى أن أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لسوق النفط العالمي تكمن في حقيقة أنه يعتبر موطناً لنحو ثلث إمدادات الخام الإجمالية. وتاريخياً، تسببت الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط في تحركات حادة لأسعار النفط، وتسببت حرب أكتوبر 1973 في ارتفاع أسعار النفط من مستويات 2.90 دولار للبرميل إلى أكثر من 11 دولارًا في العام التالي، كما قفزت أسعار النفط بنسبة وصلت إلى 240 في المئة إبان حرب الخليج في عام 1990، كما زادت 45 في المئة خلال حرب العراق عام 2003، وشهدت أسعار النفط صعودًا لمستوى قياسي خلال الاشتباكات في لبنان عام 2006، لتتجاوز آنذاك 78 دولارًا. هل يستمر الاتجاه الصاعد؟ تثير الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة خلافًا بين المحللين حول ما إذا كانت ستلقي بأثار طويلة على أسعار النفط. وتوقع بنك «سيتي غروب» أن تساهم الاضطرابات في حدوث زيادات فورية لأسعار النفط، لتعكس بعض الخسائر التي تكبدتها في الأسابيع القليلة الماضية، وحذر محللو البنك من احتمالية تصاعد الصراع في الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة، وهو الخطر الذي يظل قائمًا خلال عام 2024. كما ذكر محللو «إيه إن زد بنك» أن ارتفاع الخطر الجيوسياسي في الشرق الأوسط يجب أن يدعم أسعار النفط، محذرين من حدوث تقلبات مرتفعة في الأسعار، ومع مرور%40 من الصادرات العالمية من النفط عبر مضيق هرمز، توقع «بوب ماكنالي» رئيس «رابيدان إنرجي» أن يؤدي اتساع نطاق الصراع ليشمل طهران إلى ارتفاع أسعار النفط بما يتراوح بين 5 إلى 10 دولارات. كما يحذر ماكنالي من أن أسعار النفط قد تشهد ارتفاعات ملحوظة إذا اتسع نطاق الصراع ليشمل جماعة حزب الله في لبنان. وأشار محللو «غولدمان ساكس» إلى الآثار المحتملة للهجمات على إمدادات النفط العالمية، لكن البنك لايزال يتمسك في الوقت الحالي بتوقعه وصول خام برنت إلى 100 دولار للبرميل بحلول يونيو المقبل. لكن على الجانب الآخر، يعتقد فيفيك دار، مدير أبحاث سلع التعدين والطاقة في «كومنولث بنك» أنه لكي يكون لهذا الصراع تأثير دائم وملحوظ على أسواق النفط، فإنه يجب أن يحدث هبوط مستمر في إمدادات النفط أو نقله. وذكر دار أن التاريخ يظهر أن أي رد فعل إيجابي لأسعار النفط يميل إلى أن يكون مؤقتًا، ويمكن أن تتجاوزه قوى السوق الأخرى، مع حقيقة أن الصراع لا يعرض أي مصدر رئيسي لإمدادات النفط للخطر بشكل مباشر. ويرى «مورغان ستانلي» أن تأثير الأحداث قد يكون محدودا، وأن المخاطر على المدى القريب على إمدادات الخام محدودة أيضًا، لكن البنك حذر من أن هذه الرؤية قد تتغير في حال اتساع الصراع إلى دول أخرى. ويعتقد وارن باتريسون، المحلل في «إي إن جي» أن علاوة الحرب والمخاطر عادت إلى سوق النفط بعد التطورات الأخيرة. وأشار باترسون إلى أن اكتشاف أي دور – مباشر أو غير مباشر – في الهجمات الأخيرة قد يؤدي لتشديد العقوبات الأميركية على طهران، وبالتبعية تشديد المعروض من الخام. ويعتقد المحلل في «إي إن جي» أن التطورات الأخيرة قد تدفع تحالف «أوبك بلس» للالتزام بسياسة خفض إنتاج النفط، مع تخفيفها فقط في حال أظهر سوق الخام قوة ملحوظة.
مشاركة :