ذات مساء وفي شتاء 1992 وعلى رمال شاطئ الخان، راحت أصوات تتعالى وقصص غامضة تكشف حبكاتها، بينما تدور أصداؤها بين عوالم مد وجزر، وتحاكي في لهجتها المحلية طابع الزمان والمكان لنصوص غارقة في الرمزية، لتشكل في لوحاتها خيوط مشهديات «جميلة»، أول مسرحيات الفنان والكاتب الإعلامي جمال مطر، الذي أدهش عرضه المباشر الحضور، حينذاك، إذ شغلهم بقدرته على صناعة الدهشة، واستثمار ما حوله من إمكانيات تحت شعار هنا المستقبل ومحطة التغير والانطلاقة الفريدة في مسارات مسرح إماراتي وروائي يواجه التحديات ويلعب على المتغيرات. «البيان»، وفي مناسبة احتفاء وتكريم مهرجان دبي لمسرح الشباب بنسخته الـ14 (من 21 وحتى 28 أكتوبر الجاري)، بجمال مطر بوصفه «شخصية العام المسرحية»، تحاور صاحب «جميلة»، لتضيء على مدارات إبداعه، وتستعرض معه جملة قضايا ومسائل إبداعية وثقافية، راصدة انطباعاته حول هذا التكريم الذي استحقه لدوره الاستشرافي وثقله المسرحي والمعرفي، والممتد على خارطة «أبو الفنون» لأكثر من 30 عاماً مضت بوصفه أحد المسرحيين البارزين. فقد تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت عام 1987، وشارك في الكثير من المهرجانات المسرحية والتلفزيونية وتوج بالعديد من الجوائز. كما قدم خلال السنوات الماضية مجموعة من الإصدارات، ومنها: ديوان «نحب الملح أكثر» والذي تضمن 49 قصيدة، كما أخرج مسرحية «راعي البوم عبّرني»، وهو مؤلف ومخرج العديد من المسرحيات أهمها مسرحية «جميلة» و«قبر الولي» التي فازت بجائزة لجنة التحكيم في أيام الشارقة المسرحية في أبريل 1994. يقول جمال مطر حول أهمية دور مهرجان دبي لمسرح الشباب: إن استمرار المهرجان على مدار السنوات الماضية، يعكس نجاحه في تحفيز طاقات وإبداعات الشباب الذين يضاعفون من الثمار الإيجابية للمهرجان في كل نسخة منه، وسنحرص من جانبنا على توفير بيئة تنافسية إيجابية، تلهم الجميع على تقديم أفضل مساهماتهم، على نحو يعزز فنون الأداء المسرحي الشبابي في الإمارات والمنطقة، بما يتماشى مع متطلبات قطاع فنون الأداء محلياً في إمارة دبي والإمارات الأخرى والمنطقة عموماً. معادلة التحكيم وحول فكرة صناعة النجم المسرحي والروائي الكاتب من نطاق المحلية إلى العالمية، يقول مطر، الذي كتب أول نص مسرحي بعد انتهاء دراسته والعودة من الكويت عام 1987، وحمل عنوان «خفيف الروح»، وهو من تأليفه وإخراجه: لا بد ونحن نتحدّث عن السّبل والحلول المتّصلة بهذه الموضوعة، من أن نذكّر بحقيقتَين لا ينبغي لنا نسيانهما، الأولى: إنّه ليس ثمّة وسائل سحريّة يمكن أن يلجأ إليها الكتّاب ليحقّقوا كلّهم نتائج واحدة. ومن هنا فإنّ حديثنا سيشمل الكتّابَ أصحاب الموهبة الإبداعيّة الحقيقيّة، الذين لم يتوانوا في تطوير ذواتهم والبحث عن الجديد، أما الحقيقةُ الثّانية، فتتّصل بهيئات التّحكيم التي تمثّل الطّرف الثاني من المعادلة، فأعضاؤها غالباً مختلفون في ذائقتهم وأحكامهم ونزعاتهم، وهذا الأمر بالذّات هو ما ينبغي للمبدع أن يَعيه كي لا يُصاب بالإحباط، وأن يتحلّى بالصّبر على الدّوام، ويدركَ أن النتائج التي تُعلَن من قبل هيئةٍ ما من هيئات التّحكيم تبقى تمثّل أحكاماً نسبيّةً وليست أحكاماً مُطلَقة. وفيما يتعلق ببصمته الخاصة والتي يرى الكثير من النقاد والمفكرين أنها مثال للمباشرة والموضوعية التي تنطلق من أساس حر للتكوين والاندماج في إبداعاته الأدبية والمسرحية، يقول: تركت المسرح تماماً واتجهت نحو كتابه الراوية، حيث إن للتأليف في مجال السرد الروائي الكثير من المزايا أهمها الشعور بالحرية، والكاتب يكون مسؤولاً بصورة كاملة ومباشرة عن العمل لا يشاركه فيه أحد، بعكس العمل المسرحي المتداخل والمتشبع الآراء والرؤى، ومن جانب آخر أؤمن أن الرواية الإماراتية المعاصرة تخوض مغامراتها السردية التي تعيد صياغة حبكاتها عبر مسارات اكتشاف الذات وما حولها من مؤثرات أهمها الزمان والمكان وفي كثير من المحاولات وجدت الرواية المحلية مقاربتها للتطور الدرامي والشخوص من واقع هويتها عبر نماذج سردية متعددة كونها تمثيلاً لأنماط من الوعي الاجتماعي، تحمل كثيراً من صفات الثبات والتحول، والتي تشكل تجارب قرائية وشاعرية مشحونة بالخيال والتأملات. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :