السياسة الصناعية والمعضلة الثلاثية الاستراتيجية «3 من 3»

  • 11/15/2023
  • 23:28
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لماذا يتبنى القادة فكرة الشركات الوطنية الكبيرة، تخيل حياة قائد دولة ما. إذا تم انتخابك لقيادة بلدك، تصبح مسؤولا عن القرارات التي تؤثر في رفاهية ملايين الأشخاص. وعليك أن توازن بين مطالب النمو الاقتصادي، والأمن القومي، واستقرار القطاع المالي والمالية العامة، والشواغل الاجتماعية والبيئية. إن المخاطر كبيرة، والضغوط قد تكون هائلة. إنك تواجه الحاجة إلى تحقيق النمو الاقتصادي. وقد يتعين تحقيق نمو كاف للحفاظ على سلطتك السياسية، وكذلك توفير فرص العمل، وضمان الاستقرار في مجتمعك. فبدون استمرار النمو، قد تواجه بطالة متزايدة وحالة من الاستياء الاجتماعي، ما يعرض منصبك السياسي للخطر. يمكن أن تظهر هذه الضغوط على شكل قلق بشأن النمو. فدراسات علم النفس السريري توضح أن القلق يجعل الناس يركزون على مصادر القلق العاجلة، وهو ما يكون في الأغلب على حساب الأهداف طويلة المدى. في سياق النمو الاقتصادي، قد يواجه القادة مخاوف مماثلة، ما يجعلهم يعطون الأولوية للأداء على المدى القصير وتحقيق المكاسب السريعة لتخفيف قلقهم وإظهار التقدم. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى التركيز الضيق على قطاعات أنشطة أو شركات معينة ينظر إليها بوصفها تحقق النمو العاجل، وتجاهل المخاطر المحتملة على الاستقرار والجوانب السلبية المحتملة. تمثل السياسة الصناعية أداة رئيسة تحت تصرفك - ترسية العقود، أو تقديم الدعم، أو التخفيضات الضريبية، أو الاستثمار في مشاريع البنية التحتية لإقامة الشركات الوطنية الكبيرة. مع ذلك، يمكن أن ينشأ عن تشجيع الشركات الوطنية الكبيرة عواقب سلبية: تركز القوة الاقتصادية، وسوء تخصيص الموارد، وإهمال الاعتبارات طويلة الأجل. ويمكن أيضا أن يقوض المنافسة والابتكار في الأسواق، ما يلحق الضرر بالنمو والرفاهية الاجتماعية. مع ذلك، قد تضطر إلى تشجيع الشركات الكبيرة المخاطرة "الاستراتيجية باء" إذا تعرضت إلى ضغوط لتحقيق مكاسب سريعة، أو الحفاظ على السلطة السياسية، أو توفير فرص العمل. ويمكن للسياسة الصناعية أن تبث شعورا بالسيطرة على النتائج الاقتصادية، وتحد من القلق بشأن النمو، وتبث شعورا بالأمان. بوصفك قائدا، قد تواجه ضغوطا بشأن الأمن القومي واستقرار القطاع المالي والمالية العامة، ما قد يؤدي إلى الخوف من عدم الاستقرار المدفوع ببواعث قلق مثل الاعتماد على دول أخرى للحصول على الموارد الضرورية أو الرغبة في تجنب حالات الإخفاق أو التخلف عن السداد أو الفضائح. لذلك، يمكنك تشجيع الشركات الكبيرة الآمنة لتحقيق الأمن والاستقرار. وقد تعتقد أن هذا يحمي مصالح بلدك، ويؤمن الموارد الضرورية، ويحافظ على الاستقرار، ما يبث شعورا بالسيطرة على النتائج "الاستراتيجية ألف". مع ذلك، لا يمكن تجاهل الجوانب السلبية المحتملة لهذا المنهج، مثل مخاطر تشويه المنافسة وعرقلة الابتكار. من شأن القلق بشأن النمو والخوف من عدم الاستقرار أن يدفع قادة الدول إلى اختيار الشركات الوطنية الكبيرة. وفي الأغلب ما تشكل هذه العوامل السياسية والنفسية استراتيجية النمو في دولة ما، رغم أن معظم القادة يدركون التكاليف الاقتصادية المحتملة على المدى الطويل. غالبا ما تتم الإشادة بحالة إيرباص بوصفها نموذجا للتدخل الحكومي الناجح في الاقتصاد. فقد أمكن إنشاء تحالف شركات إيرباص في أوروبا في أواخر ستينيات القرن الماضي، بغرض التصدي لهيمنة شركة بوينج في الأسواق العالمية، من خلال الدعم الحكومي، والالتزام باستيعاب الخسائر، وتمويل تكاليف التطوير الثابتة. ونتيجة لذلك، أصبحت إيرباص منافسا قويا. غير أن تجربة الصين الأخيرة مع طائرة كوماك سي 919 توضح أن السياسة الصناعية ليست حلا سحريا. واقتناعا منها بأن الدولة العظيمة ينبغي أن تمتلك طائرات خاصة بها، استثمرت الصين بكثافة في تطوير طائراتها التجارية للتصدي لهيمنة شركتي بوينج وإيرباص. ورغم استثمار ما يصل إلى 70 مليار دولار في شركة الطائرات التجارية الصينية "كوماك"، الشركة المصنعة المملوكة للدولة في الصين، فقد تأخر المشروع لأكثر من خمسة أعوام نتيجة للعقبات التنظيمية والتكنولوجية وعقبات سلاسل الإمداد. وقد زادت فترات التأخير بسبب شروط الترخيص الخاصة اللازمة لتصدير أجزاء التكنولوجيا إلى الصين التي فرضتها إدارة ترمب في 2020. ولم يتم اعتماد سي 919 حتى الآن من أي هيئة طيران كبرى خارج الصين، وهو ما يرجع جزئيا إلى قضايا السلامة. وبالتالي، رغم نجاح السياسة الصناعية مع شبكة السكك الحديدية المحلية عالية السرعة أو المركبات الكهربائية، لم تتمكن الصين من تكرار هذا الإنجاز في قطاع الطيران العالمي التنافسي. الدرس المستفاد من ذلك هو أن تشجيع الشركات الوطنية الكبيرة يمكن أن يكون فعالا، لكنه لا يعد وصفة مضمونة للنجاح. وحتى في حالات إخفاق السوق الأخرى، قد يصعب على الحكومة معالجة المشكلة دون التسبب في تشوهات أو تحمل المالية العامة تكاليف كبيرة. وعندما تنخرط عدة دول في السياسة الصناعية لتشجيع شركاتها الوطنية الكبيرة، فقد يعني ذلك سباقا نحو أدنى مستويات الدعم والحماية. فهذه الديناميكية تحد من فرص النجاح أمام الدول المنفردة، ويمكن أن تزعزع استقرار البيئة الاقتصادية العالمية. وقد قال لورانس سامرز، وزير الخزانة الأمريكي السابق، أخيرا: إنه يعتز بمستشاريه في مجال السياسة الصناعية مثلما يعتز بالجنرالات. إن "أفضل الجنرالات هم أكثرهم كراهية للحروب، غير أنهم على استعداد للقتال عند الحاجة. وما يقلقني هو أن الأشخاص الذين يضعون السياسة الصناعية يحبون السياسة الصناعية". في هذا السياق، فإن المعضلة الثلاثية تذكر صناع السياسات بضرورة توخي الحذر بشأن السياسة الصناعية، مع التركيز على النمو والاستقرار والتعاون الدولي على المدى الطويل. تماما مثل الملح في الطهي، فإن قدرا يسيرا من السياسة الصناعية قد يكون مفيدا، لكن الإفراط في استخدامها قد يجعلها غير فعالة، واستخدامها لفترة طويلة للغاية قد يكون مضرا.

مشاركة :