لقد شهدنا في العقود الأخيرة صعودا ملحوظا في الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا والأمريكتين. بداية بدونالد ترمب قبل سبعة أعوام أعقبها في الأيام القليلة الماضية بالفوز في الأرجنتين وهولندا وتهديد كبير في كل من فرنسا وألمانيا. هذه الحركة السياسية، التي تتميز بالقومية الشديدة، الشعبوية، والمعاداة للهجرة، قد اجتذبت الكثير من الانتباه والاهتمام، ولكن لفهم هذا الاتجاه، من الضروري النظر إلى تاريخه والعوامل التي أدت إلى صعوده. يمكن تتبع بداية صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، ولكنها اكتسبت حقا زخما عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008. في السنوات التالية، نشأت موجة من الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء القارة، تدعو إلى إعادة النظر في الاتحاد الأوروبي والهجرة والأمن القومي. الأحزاب مثل الجبهة الوطنية في فرنسا (التي تغيرت لاحقا إلى الاتحاد الوطني)، حزب الحرية في هولندا، وحزب البديل لألمانيا هي مجرد بعض الأمثلة. في الولايات المتحدة، يمكن تتبع بداية صعود اليمين المتطرف إلى أواخر القرن العشرين، ولكنه بدأ أيضا في كسب مزيد من الزخم في السنوات الأخيرة. وقد تجلى ذلك في الدعم المتزايد للمرشحين والسياسات اليمينية في الانتخابات، بدءا من الانتخابات الرئاسية لعام 2016. التنظيمات مثل «الأيمن المتطرف» و«حركة الأبيض الجديدة» و«الميليشيات الأمريكية» تعتبر بعض مظاهر اليمين المتطرف في الولايات المتحدة. لفهم الصعود المستمر لليمين المتطرف، من الضروري النظر إلى العوامل الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية التي تتغير بمرور الوقت. الأزمة المالية العالمية، مثلا، أدت إلى زيادة الاستياء من النظم الاقتصادية الحالية. ظاهرة صعود اليمين المتطرف ليست محدودة في بلد أو منطقة معينة. هي ظاهرة عالمية، وتتطلب فهما عميقا للعوامل المعقدة التي تقودها. إن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في العالم هو ظاهرة تعكس التغيرات الكبيرة في السياسة العالمية. ورغم اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان المختلفة، يمكن تحديد عدد من العوامل الرئيسة التي تسهم في هذا الاتجاه: أدت العولمة إلى تغييرات اقتصادية سريعة وعميقة في العديد من البلدان، تسببت في زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء. الكثير من المواطنين يشعرون أنهم تم تجاهلهم أو تركهم خلف الركب في هذه العملية، وهو ما يمكن أن يوفر أرضية خصبة للأحزاب اليمينية المتطرفة التي تقدم نفسها كبديل للنخب السياسية الحاكمة. القلق من الهجرة والتنوع الثقافي هو عامل آخر يلعب دورا مهما في صعود اليمين المتطرف. في كثير من الحالات، تتعهد هذه الأحزاب بحماية الهوية الوطنية والثقافية من التغييرات التي يمكن أن يجلبها المهاجرون. الهجمات الإرهابية والقلق المتزايد من الأمن الداخلي أيضا يمكن أن يسهم في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة. العديد من هذه الأحزاب تقدم نفسها كحاميات للأمن الوطني والنظام العام، على الرغم من أن البعض يقول بأنها تستغل هذه القضايا لتعزيز الخوف والانقسام. يمكن أن يسهم التحول الديمقراطي في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة. في العديد من البلدان يشعر الناخبون بالإحباط تجاه الأحزاب التقليدية ويبحثون عن خيارات بديلة. هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة يمكن أن تستغل هذا الإحباط وتقدم نفسها كحلول جديدة ومختلفة. الأحزاب اليمينية المتطرفة استغلت بنجاح الإعلام الاجتماعي، مما أسهم في تعزيز تأثيرها وجذب الدعم. يسمح هذا النوع من الإعلام لهذه الأحزاب بالتواصل مباشرة مع الناخبين، وإيصال رسائلهم بطرق مبتكرة وجذابة. الديموغرافيا والتغييرات في التركيبة السكانية في بعض البلدان، مثل زيادة النسبة العمرية للسكان الأكبر سنا، قد أسهمت في صعود اليمين المتطرف. هذه الجماعات غالبا ما تكون أكثر تحفظا وقد تكون أكثر عرضة لدعم الأحزاب اليمينية المتطرفة. القلق بشأن الأمن الوظيفي والمستقبل الاقتصادي، خاصة في ظل التحولات السريعة في الاقتصاد العالمي والثورة التكنولوجية، يمكن أن يزيد من جاذبية اليمين المتطرف. هذه الأحزاب غالبا ما تلعب على هذه القلقات وتقدم نفسها كحماة للعمال والوظائف. يمكن أن تسهم احتجاجات الشعب في بعض الأحيان في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، خاصة عندما يتم توجيه هذه الاحتجاجات ضد الحكومات الحالية أو الأحزاب السياسية التقليدية. الانقلاب على التقاليد السياسية، فعندما يصبح الناخبون محبطين أو مستاءين من الأحزاب السياسية التقليدية، قد ينتقلون إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة كوسيلة للانقلاب على النظام السياسي الحالي. هذه الأحزاب تقدم نفسها كبديل للنخب السياسية التقليدية وتعد بتحقيق التغيير الذي يريده الناخبون. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون التشدد الديني عاملا في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة. الأحزاب التي تعتمد على الأيديولوجيا الدينية الصارمة قد تجذب الأشخاص الذين يشعرون بأن قيمهم ومعتقداتهم مهددة. النزاعات الإثنية والقومية، يمكن أن تسهم أيضا في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة. في الأوقات التي يكون فيها التوتر العرقي أو القومي عاليا، يمكن لهذه الأحزاب أن تكسب دعما عن طريق اللعب على الخوف والغضب. الانتشار العالمي للديمقراطية، مع جميع تحدياته وعيوبه، عاملا في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة. في حين أن الديمقراطية تتيح للناخبين الحرية في اختيار ممثليهم، يمكنها أيضا أن تمهد الطريق للأحزاب التي تعمل على تقسيم المجتمعات وزعزعة الاستقرار. بالرغم من أن هذه العوامل ساهمت في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، لا ينبغي أن نتجاهل المخاطر التي يمكن أن تنتج عن هذه الظاهرة، ومع ذلك، يجب أن نتذكر دائما أن هذه العوامل ليست ثابتة وأن السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفريد لكل بلد يلعب دورا حاسما في تحديد تأثير هذه العوامل. MBNwaiser@
مشاركة :