إن تجربة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع أزمات الديون ليست ظاهرة حديثة. فقد شهدت المنطقة نوبات من المديونية الحرجة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، مدفوعة بالصراعات الداخلية والدولية والأوضاع العالمية غير المواتية، بما في ذلك التحولات المعاكسة في أسعار السلع الأولية. وأدى ضعف إدارة اختلالات المالية العامة والاختلالات الخارجية، إلى عديد من حالات إعادة هيكلة الديون التي كانت في الأساس ديونا عامة ومضمونة من الحكومة. وكان الدائنون الرئيسون لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال هذه الأزمات هم نادي باريس والدائنون الثنائيون الإقليميون، والبنوك التجارية، وهيئات متعددة الأطراف. وقد أمكن إدارة أزمات الديون في ثمانينيات القرن الماضي من خلال اتفاقيات داخل نادي باريس والبنوك الخاصة، تعرف باسم "اتفاقيات بريدي"، التي تتطلب برامج تصحيح هيكلي. وبذلت سلسلة أخرى من جهود إعادة جدولة الديون خلال تسعينيات القرن الماضي وأوائل العقد الأول من القرن الـ21 لمعالجة المديونية الحرجة الناجمة جزئيا عن تداعيات الصراعات الإقليمية، ولا سيما حرب الخليج الأولى. وتم تنفيذ جهود إعادة جدولة الديون هذه، ولا سيما في مصر والعراق والأردن، بدعم كبير من المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية. ورغم هذه الحالات السابقة لإعادة هيكلة الديون، فإن الطريق إلى مزيد من إعادة الهيكلة اليوم مليء بالتحديات. وبالنظر إلى المناخ الاقتصادي الحالي، من المرجح أن يكون الأمر أكثر تعقيدا وصعوبة. ويجب على كل بلد من البلدان عالية المديونية أن يتخذ خطوات عاجلة لتجنب حالة المديونية الحرجة والأزمات المحتملة. وبشأن واقع الديون الجديد شهدت الأعوام الأخيرة تطورات كبيرة في هيكل الديون العالمي، أبرزها تطبيق شروط الإجراء الجماعي في عقود السندات السيادية. وأدت هذه التغييرات إلى التعجيل بإعادة هيكلة ديون سندات اليوروبوند السيادية، فيما يعد خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن، بصفة عامة، أدت التطورات الجديدة إلى تعقيد عملية إعادة هيكلة الديون السيادية، ويبرز هذا التعقيد بسبب عيوب في الهيكل المالي العالمي. وكذلك تبرز محنة إعادة الهيكلة في سريلانكا كبرهان على فترات التأخر الطويلة والصدمات التي يحتمل أن تصاحب هذه الإجراءات اليوم. وزادت صعوبة إعادة الهيكلة الآن عما كانت عليه في الماضي لأسباب عدة: أولا، صعود الصين ودائنين آخرين من غير أعضاء نادي باريس، يعني أن أن قاعدة الدائنين الرسميين باتت أكثر تشتتا. ورغم أن المطالبات المستحقة للصين على البلدان عالية المديونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست كبيرة، فإن ظهورها كدائن عالمي رائد جعل عملية إعادة الهيكلة تتسم بطابع سياسي أكبر، ووتيرة أبطأ، وتحديات أكبر. ثانيا، أبدى الدائنون من القطاع الخاص إحجاما وبطئا في تخفيف الديون. ثالثا، هناك عدد كبير من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -ومن الأمثلة البارزة مصر- يتحمل عبئا كبيرا من الديون المحلية المستحقة. وقد يطلب الدائنون في المستقبل توسيع نطاق إعادة هيكلة الديون ليشمل هذه الديون. لكن معظم هذه الديون المحلية مملوكة لبنوك وصناديق معاشات تقاعد محلية، ما يجعل إدراجها في عملية إعادة الهيكلة يمثل إشكالية كبيرة.
مشاركة :