ادلب - تتصدر الانقسامات بين الفصائل المعارضة المشهد شمال سوريا، مع إعلان فصيل "صقور الشام" انشقاقه عن "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع لفصائل المعارضة ما يعمق الأزمة التي تمر بها فصائل هذه الجبهة، التي تنشط في منطقة واقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي تحمل مشروعاً سياسياً مغايراً تماماً لتوجه هذه الفصائل. وتحدثت القيادة العامة لفصيل "صقور الشام"، الذي يقوده أبو عيسى الشيخ في بيان، الجمعة، عن أسباب الانشقاق قائلة أنه نتيجة "كثرة التجاوزات في الجبهة الوطنية للتحرير وتفاقمها، مع الاستبداد بالقرارات واحتكارها وتجاهل المكونات ونبذ الآراء، وعدم المشاورة وقبول النصائح، يجعل ضرر بقائنا أكبر من نفعه". وأعلن الفصيل المتمركز في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي العمل كـ"فصيل مستقل بعد الآن"، مؤكداً "التزامنا بكامل واجباتنا الثورية والجهادية". لكن الأمور اتخذت منحى تصاعديا مع إعلان كتلة داخل فصيله عن تمردها على قرار الانشقاق وانضمامها إلى "الجبهة الوطنية للتحرير" تحت مسمى "صقور الشام الفرقة- 40". ويُعدّ فصيل "صقور الشام" من أول فصائل المعارضة التي تشكلت في السنة الأولى من الثورة السورية في ريف إدلب، بعد الانتقال من الطور السلمي إلى العسكري. وخاض الفصيل معارك مع قوات النظام في مختلف أرجاء محافظة إدلب، ولا سيما في منطقة جبل الزاوية، حتى سيطر عليها مع فصائل محلية أخرى في عام 2012. وأغلب هذه الجماعات تُعاني من صراعات داخلية تنشأ عن اختلافات إيديولوجية وتصورات متباينة بشأن التعاطي مع الأحداث الجارية. علاوة على ذلك، تظهر الصراعات حول النفوذ والسيطرة بشكل واضح عندما تصل هذه الجماعات إلى مرحلة التمكين، والتي تُعرف بسيطرتها على الأراضي والموارد المالية. وذكرت مصادر مطلعة أن أساس المشكلة الداخلية بين الفصائل هي المناطقية وتسليم المناصب القيادية للمقربين من قادة الفصائل، وتفردهم إثر ذلك في القرارات عدا عن الفساد المستشري داخلها. وبالتوازي مع الصراعات داخل "الجبهة الوطنية للتحرير"، فإن توسع نفوذ هيئة تحرير الشام في مناطق ريف حلب الشمالي أدى إلى تفجر الصراعات الداخلية بين أهم جناحين فيها جناح الشرقية وحلب من جهة وجناح بنِّش من جهة أخرى، وانعكس ذلك على التوازن الداخلي للهيئة. وبدأت الخلافات الداخلية تتكشف داخل الهيئة بعد استيلائها على إدلب وامتداد نفوذها إلى ريف حلب الشمالي، مُبرزةً صراع النفوذ بين تيارين رئيسين داخلها. يمثل التيار الأول كتلة مدينة بنِّش المدعومة من شخصيات بارزة مثل عبد الرحيم عطون وأبو أحمد حدود، بينما يُمثل الثاني كتلة الشرقية بقيادة أبو ماريا القحطاني ودعم كتلة حلب. وذلك بالإضافة إلى توسع رقعة الاختراقات الأمنية وتمددها داخل الهيئة لتشمل مواقع حساسة فيها وهو ما فاقم من أزمتها الداخلية وهدد تماسكها فضلاً عن توظيفها في الصراع داخل الهيئة؛ ووصل الأمر إلى الاعتقالات داخل صفوف الهيئة، باعتقال أكثر من 400عنصر من مواقع قيادية ومؤثرة وغير ذلك داخل هيئة تحرير الشام. وبلغت الانقسامات ذروتها باعتقال قياديين على خلفية اتهامات لهم بالعمالة من قبل الجناح المعادي لجناح الشرقية داخل الهيئة، الأمر الذي صعّد من ارتدادات الصراعات والانقسامات العنيفة داخل الهيئة. كما يتوقع أن يكون للانقسامات الحادة داخل الهيئة تداعيات مهمة تجاهها محلياً وإقليمياً ودولياً؛ لكن لا يتوقع تفكك الهيئة في المدى القريب بدون عامل خارجي في ظل وجود كتلة مالية ضخمة داخل الهيئة واستمرار أبومحمد الجولاني كرمزية جامعة لمعظم التيارات داخل الهيئة. ورغم السعي الحثيث لهيئة تحرير الشام لفتح قنوات الاتصال المباشرة مع بعض الدول الفاعلة في الملف السوري بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الاتصال مع الوكلاء المحليين لهذه الدول في مناطق النفوذ والسيطرة في سورية وذلك في محاولات مستمرة لشرعنة وجود الهيئة والتخلص من وصمة تصنيفها الإرهابي. وأثمرت هذه الجهود مكتسبات أمنية لجهة كشف الاختراقات داخل الهيئة، فقد وافقت هيئة تحرير الشام على إطلاق سراح قيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيطر على مناطق شرق الفرات الخاضعة لنفوذ التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، مقابل تزويد قوات سورية الديمقراطية (قسد) التابعة للحزب للهيئة بمعلومات عن عملاء يعملون لصالح التحالف الدولي في محافظة إدلب حيث قامت هيئة تحرير الشام باعتقال خلية مكونة من خمس عناصر كشفت التحقيقات معهم عن شبكة من العملاء مرتبطة بهم من المدنيين ومن موظفي حكومة الإنقاذ وعناصر وقيادات داخل هيئة تحرير الشام. كما أثمر التنسيق مع مقربين من تركيا عن الهيئة بمعلومات عن حركات تحويل مالية ضخمة ومشبوهة إلى مناطق سيطرة الهيئة حيث تتبعت الهيئة هذه التحويلات وألقت القبض على الكثير من المشتبه بهم وباشرت التحقيق معهم، فيما نجح التواصل مع فرنسا، بإنجاز صفقة سلمت من خلالها هيئة تحرير الشام المخابرات الفرنسية بيانات مخيم الغرباء في محافظة إدلب والذي يضم أكثر من 300 مواطن فرنسي مع عائلاتهم، مقابل تزويد المخابرات الفرنسية للهيئة بأسماء بعض خلايا التحالف الدولي في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام. ويرى متابعون أن الانشقاقات التي حصلت في صفوف المعارضة السورية تنذر بتفككها، وهو مصير شبه محتوم للكيانات المسلحة التي أنشأتها المعارضة في الفترة ما بعد العام 2012، بينما يرى آخرون أن ما يجري هو ترتيب لصفوف الفصائل، وهو الأكثر جدية منذ نشأتها، كما أن الانشقاقات يمكن اعتبارها حالة من الاستقطاب التي تجري بين الفصائل.
مشاركة :