مشكلة النُّخب الإسرائيليَّة أنَّها عاجزة عن النَّظر إلى واقع حال إسرائيل، الذي يتطلَّب، إنْ كان الإسرائيليون يرغبون في الأمن داخل دولتهم، قيام كيانٍ فلسطينيٍّ يُعطي الأمل للفلسطينيِّ بإمكانيَّة العيش محترمًا وآمنًا داخل وطنه، ويتيح له بناء مستقبله، والإبداع في إنجازاته بكلِّ المجالات. وعمليَّة «طوفان الأقصى» -يوم السابع من أكتوبر- كشفت عن قُدرات خارقة يتمتَّع بها الفلسطينيُّون تقنيًّا وبشريًّا، قد تنافس -كثيرًا- الإنجاز التقنيَّ الإسرائيليَّ: إنْ أُتيح لهم إطلاق مهاراتِهم بشكلٍ حُرٍّ آمنٍ.سعي إسرائيل إلى التَّطبيع مع الدُّول العربيَّة لن ينعكس على الأمن داخل إسرائيل؛ لأنَّه لم تؤدِّ سياسة التَّطبيع -حتَّى الآن- أيَّ مكاسب للإنسان الفلسطينيِّ، بل منحته الشُّعور بأنَّ بعض العرب يُطبِّعون نكايةً به، خاصَّةً وأنَّ إسرائيل لم تفِ بوعودها للدُّول المطبِّعة فيما يتعلَّق بالجانب الفلسطينيِّ.. والتَّطبيع مع الدُّول العربيَّة ليس بديلًا عن أنْ يسعى الإسرائيليون للتَّطبيع مع الفلسطينيِّ. وهذا ما أكَّده التَّطبيع الذي كان مع أكبر دولةٍ عربيَّةٍ (مصر)، والدَّولة الجارة (الأردن)، إذ تحسَّنت العلاقاتُ نوعًا ما على مستوى القيادة، ولم تتحسَّن على مستوى الشعوب، التي ترى القهرَ الذي يمارسه النظامُ الإسرائيليُّ تجاه الفلسطينيِّ. ومن الأفضل لمستقبل إسرائيل، وباقي المنطقة أنْ يكون التَّطبيع مع الدُّول العربيَّة جزءًا من برنامج تطبيع مع الفلسطينيِّين أيضًا. والتخلِّي عن فكرة تهجيرهم خارج أرضهم.ومن الغريب أنْ تمارس الإدارةُ الأمريكيَّةُ الضغوطَ على بعض الأنظمةِ العربيَّة للتَّطبيع مع إسرائيل، بينما تعملُ إدارة بايدن للتَّعاون مع النِّظام الإيرانيِّ، المعارض للتَّطبيع، والمُطَالِب بإزالة الكيان الإسرائيليِّ، وتزوِّده بالمال بدون أنْ تطالبه بإصلاح طريقة تعامل الحرس الثوريِّ، المنتشرة أدواته في العراق وسوريا ولبنان وصنعاء «اليمن»، في تعاملهم مع جيرانه العرب، والحد من تمزيقهم لعلاقات حُسن الجوار التي يرغب العربُ فيها مع طهران.النُّخب الإسرائيليَّة أصبحت تتحسَّس من علاقات واشنطن، وبشكلٍ خاصٍّ الحزب الديموقراطي الحاكم، مع إسرائيل. وارتفعت نسبة عدم الثِّقة فيما بين الاثنين. ونشرت مجموعات أمريكيَّة تتلاقى مع أفكار اليسار الأمريكيِّ بما فيهم الرئيس الأسبق باراك أوباما، نشرت أبحاثًا تُشير أنَّها ترغب أنْ تتبنَّى أمريكا النَّظام الإيرانيَّ، وتساعده على أنْ يكون قوَّةً تحمي مصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط؛ ممَّا يدلُّ على رغبة هؤلاء في إحلال إيران مدافعًا عن المصالح الغربيَّة، وهو الدور الذي يقولون إنَّ إسرائيل تقوم به (حتَّى الآن).هناك مخطَّطات ورغبات وآمال لدى العديد ممَّن يتعاملُون مع المأساة الفلسطينيَّةِ، تتعارض مع بعضها البعض، وهناك حكومة إسرائيليَّة متطرِّفة تريدُ أن تقضي على كلِّ فلسطينيٍّ، وتُصرُّ، كما أصرَّت حكومات إسرائيليَّة قبلها، بمشاركة النُّخب الإسرائيليَّة على دفن رؤوسها في الرِّمال، عوضًا عن الاعتراف بأنَّ المعضلة الرئيسة التي يُواجهها الأمن الإسرائيلي هي عدم القبول بحقِّ الفلسطينيِّ في دولةٍ مستقلةٍ، إنْ كانت ترفض معاملته كمواطن له نفس حقوق المواطن الآخر في دولة واحدة تحتضن الجميع.من ناحيتها.. تبنت السعودية، عبر رئاستها للجنة المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية المشتركة، التي عقدت مؤخراً في المملكة، وتقوم بزيارة عواصم العالم الكبرى، تبنت الدفاع عن القضية الفلسطينية، والإصرار على قيام الدول الكبرى، وخاصة واشنطن، بالضغط على إسرائيل لوقف المذابح التي ترتكبها يومياً، وتنقلها شاشات التلفزيون ببشاعتها إلى مختلف أنحاء العالم، ووضع خارطة طريق تؤدي إلى منح الفلسطينيين دولتهم التي يحقُّ لهم الحصول عليها.
مشاركة :