الكويت - تتجه الأنظار إلى الكويت بعد تولي الشيخ مشعل الأحمد مقاليد الحكم خلفا لأخيه غير الشقيق نواف الأحمد الجابر الصباح الذي توفي السبت عن سن تناهز 86 عاما، بينما يتوقع أن لا تشهد السياسة الخارجية تغييرات تذكر، لكن سيكون أمام أمير البلاد الجديد تحديات داخلية ملّحة أهمها الاستقرار السياسي وإنهاء حالة الشدّ والجذب بين السلطة التشريعية ممثلة في مجلس الأمة والسلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة. ولا يوجد طارئ قد يواجهه الشيخ مشعل (83 عاما) بحكم أنه تسلم بموجب تفويض من أمير البلاد الراحل، المهام الدستورية الرئيسية وعايش الأزمة السياسية بكل تفاصيلها وتشعباتها وقاد جهودا لتهدئة التوترات بين البرلمان والحكومة. وقد نأى بنفسه عن الخلافات المريرة في كثير من الأحيان داخل العائلة المالكة. وسيكون أمام الحاكم السابع عشر للكويت عام لتسمية ولي عهده وسط تكهنات بشأن اختيار شخصية من الجيل الأصغر سنا. وقال بدر السيف أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت إن اختيار ولي العهد سيعكس "الديناميكيات الداخلية للأسرة الحاكمة. وسواء شهدت الكويت أول تحول جيلي منذ عقود أم لا... فإن البلاد ستحتاج إلى تحقيق إنجازات على صعد عدة". وكان الشيخ مشعل نائباً لرئيس الحرس الوطني الكويتي من 2004 إلى 2020 بعدما أمضى سنوات عديدة في وزارة الداخلية حيث تدرج في الرتب حتى ترأس إدارة المباحث العامة من عام 1967 حتى عام 1980، وكان له الفضل في تعزيز وظيفتها كجهاز لأمن دولة. وكتب بدر السيف على موقع إكس "من خلال عمله في جهاز الأمن وفي الحرس الوطني، يعد الشيخ مشعل عارفًا بكل خفايا الأمور... فهو كان موجودا في الغرفة المجاورة لثلاثة من الأمراء الأربعة السابقين على نحو يومي" من دون أن يتولى منصبًا في الحكومة. وفي عام 2016، سافر الشيخ مشعل إلى الخارج وخضع لـ"عملية ناجحة"، لم يُكشف عن تفاصيلها. وينص دستور الكويت على أن الأمير يجب أن يكون من ذرية مؤسس الدولة الشيخ مبارك الصباح. وتقليديًا، تناوب على الحكم فرعا العائلة السالم والجابر، لكن هذا التقليد لم يتكرر خلال العقد الحالي، إذ ينتمي كل من الشيخ صباح والشيخ نواف والشيخ مشعل إلى فرع الجابر. وأعلنت حكومة الكويت في بيان السبت، الحداد على وفاة أمير البلاد 40 يوما، وغلق المقار الرسمية 3 أيام. وكان الشيخ نواف أدخل المستشفى في تشرين الثاني/نوفمبر "إثر وعكة صحية طارئة لتلقي العلاج اللازم وإجراء فحوصات طبية"، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الكويتية (كونا). وسمّي الشيخ نواف وليًا للعهد عام 2006 قبل أن يخلف في 2020 أخاه غير الشقيق الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي توفي في أيلول/سبتمبر من ذلك العام عن 91 عامًا. وكان عليه أن يقود اقتصاد بلاده خلال أزمة اقتصادية ناجمة عن انخفاض أسعار النفط وأدت إلى خفض الوكالات الدولية التصنيف الائتماني للكويت عام 2020. ولم يكن عهد الشيخ نواف الأقصر الذي شهدته الكويت، إذ سبق لبعض أمرائها أن تولوا الحكم تسعة أيام أو أربعة عشر يوما، وفق بدر السيف. وأضاف "أصدر العديد من قرارات العفو التي جعلته يلقب بأمير العفو". ففي الشهر الماضي، وافق مجلس الوزراء الكويتي على مرسوم أميري يعفو عن السجناء السياسيين المدانين خلال العقد الماضي. كما صدرت مراسيم عفو مماثلة في عام 2021. ودولة الكويت المحافظة التي تحكمها أسرة الصباح، اعتمدت النظام البرلماني منذ 1962. ولكن منذ ذلك الحين تم حلّ المجلس التشريعي مرارا. وفي حين يُنتخب النواب يتم تعيين وزراء الحكومة من قبل عائلة الصباح المهيمنة على الحياة السياسية. وأدى عدم الاستقرار السياسي في الكويت إلى إضعاف شهية المستثمرين في بلد يعدّ أحد أكبر مصدري النفط في العالم. وينجم عدم الاستقرار عن خلافات بين شخصيات من الأسرة الحاكمة والبرلمان. وخلال السنة الماضية شهدت البلاد تشكيل خمس حكومات كما شهد عهد الأمير نواف تنظيم ثلاثة انتخابات برلمانية. ويعزى عدم اليقين إلى خلافات داخل عائلة الصباح نفسها مع تبادل الاتهامات بين بعض أفرادها بالتربح أو التآمر. وأعاق هذا الوضع الإصلاحات التي يحتاج إليها الاقتصاد الكويتي بغرض تنويع موارده، على عكس الأعضاء الخمسة الآخرين في مجلس التعاون الخليجي الماضين في مشاريع لتنويع اقتصاداتهم وجذب المستثمرين الأجانب. ومع توليه قيادة الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول 'أوبك'، من المتوقع أن يُبقي الشيخ مشعل على السياسات الخارجية الكويتية الرئيسية ومنها دعم وحدة دول الخليج العربية والتحالفات الغربية والعلاقات الجيدة مع الرياض، وهي علاقة ينظر إليها على أنها ذات أولوية قصوى بالنسبة له. وربما يتطلع الشيخ مشعل أيضا إلى توسيع العلاقات مع الصين التي تسعى للعب دور أكبر في المنطقة وخصوصا بعد أن رعت بكين اتفاقا لتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية في مارس/آذار. ووقع الشيخ مشعل عدة اتفاقات اقتصادية خلال زيارة للصين في سبتمبر/أيلول الماضي عندما حضر حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الآسيوية. وقال مصدر كويتي إن الشيخ مشعل "يرغب في الاستقرار ويؤكد أهمية علاقة الكويت مع السعودية بشكل خاص"، مضيفا أن أمير الكويت الجديد قلق إزاء الوضع في المنطقة واندلاع الحروب فيها. ووصف دبلوماسي غربي الشيخ مشعل بأنه يستيقظ مبكرا وله أسلوب عمل منهجي. وقال "إنه يهتم بالتفاصيل وأحيانا بالتفاصيل الصغيرة جدا"، مضيفا أنه بينما كان الشيخ صباح أقرب إلى العمل الدبلوماسي فإن الشيخ مشعل أقرب إلى الجيش. ويقول الخبراء إن عدة مناصب عليا عُرضت عليه في الماضي لكنه رفضها. والتحق بكلية هندون البريطانية للشرطة، وكان له الفضل في المساعدة في إصلاح الحرس الوطني. والشيخ مشعل هو الابن السابع للحاكم السابق أحمد الجابر وأخ لثلاثة حكام سابقين هم الشيخ جابر الأحمد والشيخ صباح الأحمد والشيخ نواف الأحمد. وهو متزوج وله خمسة أبناء وسبع بنات. ويعتقد البعض أنه قد يتحرك نحو مزيد من المواءمة بين الكويت والرياض. وكانت اتصالاته الأولى بعد توليه مهام الشيخ نواف مع العاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكانت زيارته الخارجية الأولى إلى السعودية التي زارها أكثر من أي دولة أخرى. وبعدما أصبح أميرا للبلاد، سيتعين عليه أن يتعامل مع التوتر طويل الأمد بين الأسرة الحاكمة ومعارضيها في البرلمان المنقسم على الدوام. ويقول منتقدون إن هذا الانقسام أعاق الإصلاح المالي والاقتصادي في البلاد. ويتمتع مجلس الأمة (البرلمان الكويتي) بنفوذ أكبر من الهيئات المماثلة في دول الخليج الأخرى. وأدت الأزمة السياسية التي استمرت بين الحكومة والبرلمان على مدى عقود إلى إجراء تعديلات وزارية وحل البرلمان عدة مرات. وشهد العامان الأولان من حكم الشيخ نواف اضطرابات سياسية عصفت بعدة حكومات. وخلال فترة حكمه التي زادت على ثلاث سنوات تم تشكيل ثماني حكومات وإجراء انتخابات برلمانية ثلاث مرات. وتدخل الشيخ مشعل في عام 2022 في خلاف طويل بين الحكومة والبرلمان وحل البرلمان وأصدر مرسوما بإجراء انتخابات جديدة وعين رئيسا جديدا للوزراء، هو الشيخ أحمد نواف الصباح نجل أمير الكويت الراحل. كما أعلن في الوقت نفسه أنه لا ينوي التدخل في الانتخابات أو اختيار رئيس البرلمان، حيث لقي هذا الإعلان ترحيبا واسعا من المعارضة. كما تعهد بالالتزام بالدستور وعدم تعديله أو تنقيحه أو تعليقه، وذلك في خطاب ألقاه نيابة عن الأمير في يونيو/حزيران 2022 واعتبره برلمانيون ومحللون خطابا تاريخيا. ورغم أن انتخابات 2022 أبطلتها المحكمة الدستورية في مارس/آذار 2023، فإن الانتخابات اللاحقة التي عقدت في يونيو/حزيران الماضي فاز بها غالبية من النواب الذين يطلقون على أنفسهم "إصلاحيين" وأدت إلى توافق نادر بين البرلمان والحكومة، ولا يزال هذا التوافق مستمرا. ونعت دول عربية أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح وأعلنت كل من مصر والإمارات الحداد 3 أيام وتنكيس الأعلام وذلك في بيانات رسمية صادرة من الإمارات وقطر ومصر، عقب إعلان الديوان الأميري في الكويت وفاة أمير البلاد. ونعى رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في بيان، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح. ووفق البيان الذي نقلته وكالة الأنباء الإمارات، "نعى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أمير الكويت، ويأمر بإعلان الحداد 3 أيام وتنكيس الأعلام اعتبارا من اليوم (السبت) على جميع الدوائر الرسمية داخل الدولة والسفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج". كما قال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في تغريدة بمنصة "إكس" "تعازينا الصادقة لأخي الشيخ مشعل الأحمد الصباح (ولي العهد الكويت) ولدولة الكويت حكومة وشعبا في وفاة الشيخ نواف الأحمد الصباح". وأضاف "نشاطر الكويت وأهلها أحزانهم في هذا المصاب الأليم، ونسأل الله القدير أن يتغمد فقيدنا الكبير بواسع رحمته ورضوانه وينزله منازل الصديقين والأبرار. إنا لله وإنا إليه راجعون". من جانبه، نعى سلطان عمان هيثم بن طارق، أمير الكويت، مؤكدا أنه "أحد القادة العرب الذين عملوا لخدمة الأمتين العربية والإسلامية، ورفعة وازدهار دولة الكويت الشقيقة"، وفق بيان صادر من البلاط السلطاني مقررا "إعلان الحداد الرسمي وتنكيس الأعلام وتعليق العمل في القطاعين الحكومي والخاص لمدة ثلاثة أيام ابتداء من اليوم (السبت)". كما أفادت الرئاسة المصرية، في بيان، بتقديم "الرئيس عبدالفتاح السيسي، والشعب المصري، نعي الزعيم الفقيد، الرجل العظيم، الذي كان داعمًا لأمته العربية والإسلامية، حريصًا على شؤونها، حكيمًا في قيادته، قدم الكثير من البذل والعطاء لبلاده وللأمتين العربية والإسلامية". وأعلنت مصر "الحداد على الفقيد لثلاثة أيام في جميع أنحاء البلاد"، وفق البيان ذاته. فيما قال عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني في تغريدة له على حسابه الرسمي بموقع "إكس" نشاطر أشقاءنا في الكويت الأحزان بوفاة الأخ الشيخ نواف الصباح". وأضاف "كان زعيما عروبيا كرس حياته في خدمة بلده وشعبه وأمته، وعرفناه صاحب نخوة وحكمة ودؤوبا في تمتين العلاقات العربية".بينما قرر عاهل الأردن "الحداد على الفقيد الكبير، في البلاط الملكي الهاشمي لـ7 أيام اعتبارا من اليوم السبت"، وفق بيان نعي صادر من الديوان الملكي الأردني. كما نعى رئيس فلسطين محمود عباس، أمير الكويت، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية. وفي الذات السياق، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، السبت، الحداد الرسمي على وفاة أمير دولة الكويت لـ3 أيام، وفق بيان. وكان الشيخ نواف الأحمد قد أسند العام الماضي بعض صلاحياته الدستورية لولي عهده، أخيه غير الشقيق، الشيخ مشعل الأحمد. وتولى الشيخ نواف، المولود عام 1937، مناصب حكومية مختلفة حتى 1978 حين عين وزيرا للداخلية، لأول مرة كما تقلد عدة مناصب وزارية، منها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والدفاع والداخلية حتى ما بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام .1991 وظل الشيخ نواف بعيدا عن المناصب الوزارية عقب تحرير الكويت لحوالي 10 سنوات قبل ان يصبح اميرا للبلاد خلفا لشقيقه. وكان امير الكويت دخل الشهر الماضي المستشفى بسبب وعكة صحية طارئة حيث اكد الديوان الاميري حينها أن حالته مستقرة. واشارت وسائل اعلام في الكويت في السابق أن أمير البلاد توجه في مارس/اذار سنة 2021 الى الولايات المتحدة للقيام بفحوصات طبية ليجري بعدها فحوصات في أوروبا دون الحديث عن حقيقة مرضه حيث فوض ولي عهده إدارة شؤون البلاد حينها. وقبل وفاته توعدت النيابة العامة الكويتية بمواجهة حازمة مع كل من تسول له نفسه الخوض في أمور تتعلق بصحة أمير البلاد أو ما يتعلق بترتيبات بيت الحكم سواء كان فردا أو مجوعات أو منصات اجتماعية أو وسائل إعلام مرئية ومسموعة أو أي جهة كانت. وأكدت أنها ستتخذ الإجراءات القانونية الصارمة وستحرك دعاوى قضائية ضد كل من ينشر أو يذيع أو يتناول بأي طريقة كانت مثل هذه الشؤون، موضحة أنها رصدت ما يتردد من إشاعات وأكاذيب حول صحة أمير البلاد. لكن بعد وفاة امير الكويت ستطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل البلاد خاصة مع التجاذبات السياسية التي تمر بها البلاد خاصة العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة.
مشاركة :