نعم، أعي العنوان جيداً، وأعنيه تماماً. ولكي أحدد ما أعنيه بهذا العنوان أقول: إن الإنسان الذي يريد سلوك سبيل الكتابة معتمداً على موهبته وحسب لن يكون إلا كاتباً فاشلاً. القدرة على التعبير عن النفس هي عماد الكتابة ومادتها الخام، وهي قدرة شائعة جداً في البشر، فأكثر الناس يستطيع أن يعبر عن مكنون نفسه، مع تفاوت في نوع التعبير وجودته. ولكن مع وفرة هذه المادة الخام، لا يحظى البشر بالكثير من الكتّاب الجيدين، إن عدد النجوم البارعين في ميدان الكتابة أقل بمراحل من عدد النجوم البارعين في ميدان السياسة، وفي ميدان الرياضة، وفي ميادين الفن بشكل عام.. فلماذا يا ترى؟! أحسب أن هناك مزيجاً من الأسباب، ولكني أود -في هذه المساحة الضئيلة- أن أتطرق إلى أكثر هذه الأسباب شيوعاً من وجهة نظري، وأكثرها اقتراباً من جذور المشكلة، أول هذه الأسباب فيما أحسب، وأخطرها أثراً، هو غموض المرء أمام نفسه، وعجزه عن التعرف إليها. إن ضبابية الذات أمام نفسها تنقل عدواها إلى النتاج المكتوب! ربما يفلح الشاعر في التعبير عن حيرته تعبيراً أخاذا، كما يفلح التشكيلي في رسم حيرته على لوحةٍ بارعة، ولكن الكاتب الناثر يعجز عن ذلك، يعجز كثيراً، إنه يشبه بوصلة غير مستقرة؛ فأنى لها أن تحدد لقارئها الشمال من الجنوب، ولقد كان "كولن ويلسون" محقاً حين حكم على الكاتب الذي لا يمتلك صورة ذهنية واضحة لنفسه بالعجز التام عن خلق عملٍ عظيم وأصيل. وثاني أسباب فشل الكاتب الموهوب: عدم فهم الكتابة، أو القناعة بأن الكتابة أمرٌ في غاية السهولة، لا تكلف صاحبها إلا امتشاق القلم -أو لوحة المفاتيح- وتسطير ما يجري في الخاطر. والحق أن الفارق بين هذه الكتابة وبين الكتابة الحقيقية يشبه الفرق بين لعب الكرة عبر "البلايستيشن" وبين خوض مباراة حقيقية في ملعب ما. وثالثة الأثافي، وهي الطامة الكبرى: عدم الاستعداد لدفع ضريبة الكتابة: من نهمٍ إلى المعرفة، وولعٍ بالتفكير، ومرانٍ طويل على القلم حتى يسلس قياده بعد سنوات، والتزام بالكتابة المنتظمة، ويصعب دفع هذا الثمن على من كان كسولاً، وعلى من لا يرى الكتابة حياته.. الكتابةُ ليست نزهة، إنها عمل، ولكل عمل مصاعبه ومشكلاته.
مشاركة :