قصص المشافهة – والمُدون منها قليل – تقود إلى يقين بأن السعودي كان على وعي تام بمجريات الأحداث السياسية. فخلال الحرب العالمية الثانية تحدّث الناس عن هتلر وموسوليني وخط ماجينو والحُلفاء والطائرات وقصفها لمواقع الألمان، وقصف الألمان لمواقع الحلفاء وهكذا. في مصر والشام والعراق وبعض مناطق الخليج وُجد الراديو، وبعض الصحف ووسائل اتصالات أخرى كالبرقيات. أهل نجد آنذك يفتقرون، وأكثرهم يعتمد على " النّجّاب" ، وهو راكب الراحلة السريعة الجري بقدرتها وصحتها ونشاطها. ويقولون عنها "النجيبة" وراكبها نجّاب. أقول لم يكن عند أهلنا في أواسط نجد وسائل لتلقّي الأخبار، وهذا دلّنا على نهمهم وجوعهم في البحث عن الأخبار، بدلاً من أن تأتي هي لهم. وذكر الرواة أن مدينة عنيزة – مثلاً – خلال الحرب الأولى كان فيها بيتان يقتنيان جهازي راديو . من تلك التي تعمل على بطارية سيارة، وتحتاج إلى هوائيّ مرتفع وثابت. قال شاعر: - فيليبسٍ (ن) صافيٍ حسّه وسلكه بالسما مَمْدودْ. يجيب العلم من لندن ودلهي للمسهريّه والمفردة الأخيرة حارة من حواري عنيزة، وليتنى أعرف اسم قائل البيت أو القصيدة لأُعطيه ما يستحق من إشادة، أو كما يقولون حاليا (كريديت). ومن القصص الحقيقية المتوارثة والمعروفة أن جماعة لقاء ليليّ (دائرة) لا يملكون جهاز راديو وما يتبعهُ من "تسهيلات" أخرى. فكانوا يعهدون بالمهمة إلى رجلٍ منهم يذهب إلى مجلس (فلان) الذي يحتفظ بجهاز راديو، ويفتح الجهاز بُعيد صلاة العشاء، ويأتي إليه بعضٌ من الأقارب والجيران، ويستمعون جميعا إلى النشرة، والكلّ صامت، فإذا شربوا القهوة وانتهت النشرة "انصرفوا إلى قومهم منذرين" بما استجد وما قد تكون عليه الحال. وتلك "الدائرة" أو التجمع كانوا على طرفي نقيض، في تأييدهم للحلفاء أو تأييد الحلفاء وكُره ألمانيا وإيطاليا. فكانت تقوم قيامتهم بالنقاش بعد ورود "حامل الأخبار". وحصل أن تأخّر عضو في الدائرة كان من المؤيدين للإنجليز. وأراد عضو آخر أن ينتقم من صاحبه ليلة قصف لندن بقنابل الألمان. ولما لم يجدهُ في"الدائرة" قصدي التجمّع المعتاد، ذهب إليه في منزله ودق الباب بقوة. ولما فتح صاحب المنزل (المؤيّد للإنجليز) قال له: إلْحَقْ.. رح طفّ لندن..!، (تماكن واذهب إلى لندن لتُطفئ الحرائق). لمراسلة الكاتب: aalthekair@alriyadh.net
مشاركة :