الشعر والدور الإعلامي قديماً - فالح الشراخ

  • 3/27/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لعب الأدب الشعبي في جزيرة العرب دوراً هاماً لا ينكر في توثيق الأحداث التاريخية وبدأ هذا الدور منذ القرن الرابع فما دونه وتطور وشاع وذاع خصوصاً في الوسط النجدي واجزاء من الدول المجاورة للخليج العربي فقام مقام الصحافة والإذاعة والتلفاز في هذا العصر، وحل محل الشعر العربي الفصيح كون تلك الحقبة سيطرت عليها الحالة الثقافية المتمحورة في أغلبية سكان المنطقة وهم سكان البادية، وقد تطورت به الأحوال إلى أن طرق شتى المجالات وأعطى من فنونه وضروبه وأشكاله الشيء الكثير ولقد تفرع إلى فروع وتلون إلى ألوان عديدة. ولما كانت اللهجات العربية بصفة عامة قد تعددت على مستوى الاقليم والقطاع والقرية والهجرة أصبحت ضرورة الحياة اليومية بأعمالها وحرفها ملحة إلى نوع من الشعر يعايش الواقع بمفرداته البسيطة ومستقاه البيئي المحلي لذا أصبح الفلاح يردد في ميزان موسيقي بعض كلماته المحلية والراعي والحرفي وغيرهم فهناك كان العزيق والحصاد والدياس والنخل والبناء وغيرها. كما أن للعاشق المتغزل مفرداته الخاصة به، فينتقي أجمل كلماته المحلية يضعها في ميزان رائع حتى تتزن على خطى الإبل أو هدير الحمام، فانبثق من ذلك أشياء أثرت واستأثرت في قلوب الناس وكأن من يسمعها وهو في نفس الحال يعيش واقع ذلك الشاعر. كما أن للمتألم من فقد عزيز أو قريب طريقته في رسم لوحة من الكلمات الحزينة والتي تحاكي في واقعها قطر الدم ونزيف القلب. وبذلك أصبح الشعر الشعبي منبراً يعبر من خلاله عن المشاعر والأحاسيس ودافعاً كبيراً إلى البطولات والأمجاد. فهو له صدى في نفوس الكثير يعبر عما يختلج في نفوسهم وأفكارهم ومشاعرهم من ارهاصات وشجون. والشعر الشعبي جزء لا يتجزأ من تراث أي أمة مهما ارتقت إلى أي مستوى حضاري، علاوة على ذلك فإن رجال الفكر وعلماء التاريخ يعرفون جيداً أن قديم الشعر الشعبي قد حفظ الكثير من المواقف التاريخية في الجزيرة العربية كما وثق العديد من مسميات الواقع وأثبت تسلسل مسمياتها القديمة مما جعله بمثابة حلقة وصل وإن كان باللهجة المحلية وهذا لا يعيبه في شيء فلو كانت العرب تتحدث بلهجتها الحالية لكان الشعر العربي الفصيح بنفس النمط الذي يسايره الشعبي اليوم فلقد طرق الأخير كافة الفنون التي طرقها الشعر العربي الفصيح إن لم يكن هناك تشابه عظيم في بعض الأفكار والمعاني مما يؤكد أيضاً أن الشعر الشعبي ما هو إلا تواصل لملحمة العربي مع الشعر ولكن حسب ما تمليه عليه البيئة من مفردات سواء في مجال صياغة الكلمة أو مصدرها والذي تشكل البيئة المحيطة الأثر الكبير فيه ولقد قال صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر خالد الفيصل (أنا لا أرى أن اللهجة المحلية منعت أمريكا من الوصول إلى القمر وأنا لست ضد اللغة الفصحى وهي لغتنا ولغة القرآن الكريم حيث يجب أن نتمسك بها ونصوصها ولكن مند أن وجدت اللغة العربية كانت هناك لهجة عامية) كما قال الأستاذ عبدالله بن محمد بن خميس (إن الشعر الشعبي منذ أن بدأ في أوزانه وقوافيه واتجاهاته ومناحيه وأغراضه ومجاليه هو ابن السليقة والفطرة والمحتوى الذي يمكن الأخذ به وبتطويره وتنويره والسمو به شيئاً فشيئاً حتى نعود به إلى السليقة الأصلية وإلى الفطرة الموروثة بدون أن يركن إلى القواعد المقلدة). وإذا كان للشعر الجاهلي تأثيره في النفوس ولعبه بالعقول وتخليده الوقائع فقد جرى شعر البادية أو الشعر الشعبي في عصرنا مع شعر الجاهليين في ميدان واحد وصحت المقابلة بينهما من هذه الوجهة لا غير ذلك لأن شعر البدوي اليوم يؤثر في عقول البداوة كما كان يؤثر شعر الجاهلي في الجاهليين. وقد يخلد الحوادث العظيمة فيهم كما كان يخلدها شعراء تلك العصور الخالية، ولو أقبل أهل الحواضر من المعاصرين والمتقدمين قليلاً على تدوين شعر البداوة لحفظ لهم تاريخ هؤلاء كما حفظ تاريخ أولئك. ومن المعروف أن لغة الشعر تمتاز عن اللغة الشائعة بحيث يجد السامع ألفاظاَ مصقولة وتراكيب مقبولة واستعارات وكنايات وتشابيه وإيماءات لا يعثر عليها في غير لغة الأدب والشعر.

مشاركة :