القاهرة - الخليج: أطلق النقاد اصطلاح الخيال العلمي على ذلك الفرع من الأدب الروائي، الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان لكل تقدم في العلوم والتكنولوجيا، سواء في المستقبل القريب أو البعيد، كما يجسد تأملات الإنسان في احتمالات وجود حياة في الأجرام الفضائية الأخرى، ويهدف الخيال العلمي إلى نقل الحقيقة العلمية بأمانة وصدق وبنظرة مستقبلية، وإن تغلفت بغلاف له تألق وبريق القصة، وهو يعالج الأفكار الاجتماعية والعلمية بشكلها الصرف الخالص. بينما تنتهي مهمة العالم إلى حد كبير عند ترجمة معلوماته إلى جداول أو رسوم بيانية، فإن كاتب الخيال العلمي تبدأ مهمته في نقل القصة الإنسانية، حيث إن الأساس العلمي للمستقبل الممكن لقصته هو الخلفية فقط أو الوسيلة، وإذا كانت الثقافة العلمية هي المعرفة التي يحتاج إليها الإنسان لكي يفهم العالم من حوله، فهي إذن خليط من الحقائق والمفردات والأفكار والمفاهيم العلمية، التي يمكن للإنسان أن يتعامل معها، بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع السياسة والاقتصاد والفن والأدب وأي شيء آخر يبلغ علمه أو يصل مسامعه. وبهذا المفهوم يمكن للخيال العلمي أن يقدم الثقافة العلمية بأسلوب مشوق وفي إطار درامي أخاذ، بحيث يكون نموذجاً منفرداً يهدف إلى تقديم العلم، خاصة للأطفال، بشكل غير تقليدي بعيداً عن المعادلات والقوانين الجامدة، حيث تبين قصص الخيال العلمي ذلك الجمال الحقيقي والعظمة الصادقة، للعالم والكون من حولنا سواء كانت مجردة تزخر بآلاف الملايين من النجوم أو نقطة ماء تكتظ بالحياة الخفية الدقيقة أي أن الخيال العلمي يعمل مترجماً للعلوم. وفي كتابه ثلاث رؤى للمستقبل الذي تجرمه إلى العربية رؤوف وصفي، يؤكد جون جريفيس، أن أهم فترات التاريخ وأكثرها إثارة هي الفترة الحالية، إذ لم يحدث من قبل أن تغيرت حياة الإنسان بهذه السرعة أو بمثل هذه الطرق الكثيرة المبهرة، ولا يوجد إنسان يعرف على وجه اليقين، ما الذي يمكن أن يحدث بعد سنوات عدة، ولكن بعض خبراء المستقبل يفكرون الآن بعمق شديد في أمور المستقبل، ويمكنهم أن يعطونا على الأقل لمحة عن الأشياء التي قد نشاهدها في السنوات القادمة، والأهم من ذلك أنه بإمكانهم أن يساعدونا في اتخاذ قرار، عما يجب أن نفعله اليوم، لجعل العالم مكاناً أفضل للحياة غداً، والتغير المتلاحق الذي نعايشه في الوقت الحاضر، يعني أن المستقبل قد يكون مختلفاً أكثر بالنسبة لنا، عما كان بالنسبة للأجيال التي سبقتنا من البشر، وسوف يبدو عالم المستقبل مكاناً غريباً ما لم نجهز أنفسنا له. يحاول الكتاب تلخيص أصول الخيال العلمي ومناقشة التغيرات والتطورات التي طرأت عليه في السنوات الأخيرة، كما يستعرض المؤلف السمات والخصائص الرئيسية لهذا من الأدب القصصي وأشكاله المتباينة، ويعقد المقارنات بين أنواعه الغربية والروسية. إن هذا التناول للمؤلفين والموضوعات الرئيسية، يتميز بحسن ودقة الانتقاء، ونجد أن الملاحظات على قصص الخيال العلمي الأمريكية والبريطانية والروسية موجودة في كل جوانب التناول والبحث، مما يجعل من الصعب على القارئ أن يعزل أي مدخل شامل مستقل لتطور الموضوع في كل واحدة من تلك الدول الثلاث. ومع ذلك فإن كتاب ثلاث رؤى للمستقبل، مفيد بسبب ما تضمنه من مقارنات بين موضوعات الخيال العلمي الغربية والروسية، والحقيقة أن جون جريفث ينفد صبره فيما يتعلق بأدب الخيال العلمي الحديث، ويهتم بالتفاصيل والأعماق العاطفية للمجتمع، وإخفاق القوة الغربية، ويقول في الفصل الأخير: إننا نعيش الآن بلا مستقبل، وذلك لأن الفن لن يكون موجوداً ويعني ذلك بالطبع أننا مقبلون على عصر مظلم يتسم بالفوضى. إن عرض جون جريفث للخيال العلمي يشبه آلة حصاد أدبية، فهو يجمع ويقتلع ويصنف ويوزع مختلف مؤلفات وأعمال الخيال العلمي التي تم نشرها في الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا إلى أربع نوعيات موضوعية وهي: قصص الكوارث، قصص المدن الفاضلة، قصص المجتمعات الآلية، قصص عوالم الكائنات الفضائية الغريبة، وتكمن قوة كتاب ثلاث رؤى للمستقبل في تقييمه لأحدث الأعمال والمؤلفات التي نشرت في هذا النوع الأدبي في فترة السبعينات من القرن العشرين.
مشاركة :