مر زمن كان هناك فاصل صارم بين تيار يمين الوسط السائد في أوروبا والشعبويين المتشككين في الاتحاد الأوروبي، وكارهي الأجانب من أصحاب اليمين المتطرف، إذ إن الديمقراطيين المسيحيين أمثال هلمت كول، وأنغيلا ميركل لا يربطهما أي شيء مشترك، ولا حتى أي شيء، بمتطرفين أمثال زعيمة المعارضة الفرنسية مارين لوبان، ولا المتطرف اليميني الهولندي غيرت فيلدرز. ولكن هذه الخطوط الصارمة لم تعد موجودة، خلال الترشح لانتخابات البرلمان الأوروبي، بين الأحزاب المحافظة المؤيدة لأوروبا، وتلك الأحزاب القومية اليمينية المتطرفة، بالنظر إلى أن الطرفين يسعيان إلى الاستفادة من الغضب العام أو القلق من مشكلة المهاجرين، وكُلفة المعيشة، والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. ويبدو أن «الطوق الصحي» الذي كان مضروباً لفترة طويلة على التعاون مع اليمين المتطرف قد تهاوى أخيراً، أولاً، على المستويين المحلي والوطني، والآن ربما في بروكسل أيضاً. وهذا مهم لأن البرلمان الأوروبي يجب أن يوافق على تشريعات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بصافي الصفر كربون في مجال تشريع الطاقة، ويحاول اليمين الآن إضعافها للغاية. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، خسر حزب الشعب المحافظ الإسباني بهامش صغير في الانتخابات العامة على الرغم من أنه أعلن عن استعداده للحكم مع حزب فوكس المعادي للهجرة، والذي يمتلك جذوراً فكرية في أيديولوجية الديكتاتور الإسباني الراحل فرانكو. وأشار زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض في ألمانيا فريدريك ميرز، إلى أن حزبه سيعمل على الصعيد المحلي، وإن لم يكن على المستوى الأوروبي أو الوطني، مع الحزب اليميني المتطرف المعروف باسم الحزب البديل من أجل ألمانيا، والذي صعد إلى المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي الوطنية. ولكن ميرز تراجع بعد الاحتجاجات التي حدثت داخل حزبه. العمل مع فيلدرز وخلف رئيس الحكومة الهولندية مارك روته، الذي استقال في يوليو الماضي، رئيساً لحزب يمين الوسط الليبرالي المعروف بحزب «الشعب من أجل الحرية والديمقراطية» زميله ديلان يشيلغوز زيغيريوس، المعروف عنه رفضه الطويل الأمد للعمل مع حزب فيلدرز، الحزب «المناهض للمهاجرين». وتراجع ديلان عن موقفه الذي يرفض، منذ أمد بعيد، العمل مع اليميني المتشدد فيلدرز. وفي الوقت ذاته، تولت الحكومات المحافظة السائدة في السويد وفنلندا مناصبها، بفضل دعم القوميين اليمينيين المتشددين في حزب الديمقراطيين السويديين والحزب الفنلندي، على التوالي. وفي إيطاليا، فاز المتشددون اليمينيون، العام الماضي، بالسلطة في الحكومة التي ترأستها جورجيا ميلوني، من حزب «إخوة إيطاليا» ما بعد الفاشية. وفي فرنسا، يتنافس الديغوليون المحافظون من حزب الجمهوريين من أجل التفوق على لوبان، ومنافسها اليميني المتطرف إيريك زيمور، على شيطنة الإسلام، واقتراح أساليب جديدة، لوقف دخول طالبي اللجوء إلى الدولة. ويريد زعيم الحزب ايرك سيوتي أن يعلن رسمياً بأن الدستور الفرنسي يمتلك الأسبقية على القانون الأوروبي، كي يفرض نظام الحصص على طالبي اللجوء. ميل إلى اليمين وتبدو أسباب هذا الميل إلى اليمين واضحة، حيث تستسلم الآن أحزاب يمين الوسط الكبيرة في أوروبا للتفتت الانتخابي الذي أصاب اليسار السائد، وتعمل جماعات الخضر وجماعات اليسار المتطرف على اجتذاب الناخبين بعيداً عن الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية. ولم يعد الناخبون المحافظون في هذا المجتمع الفردي الأكثر تنوعاً على ارتباط ببعضهم أو بالكنيسة أو بالقيم العائلية أو بأيديولوجية السوق الحرة، بل إنهم يختلفون حول الحمائية الاقتصادية، والتكامل الأوروبي، والعمل المناخي، والقضايا الاجتماعية، وحقوق الأفراد. وفي ألمانيا، سجل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب البافاري الشقيق له، الذي هيمن على المشهد السياسي في فترة ما بعد الحرب في البلاد لعقود من الزمن، 24.1% في الانتخابات العامة عام 2021 بعد تقاعد ميركل. وحتى مع نسبة التصويت الحالية التي تبلغ 26%، ليس لدى يمين الوسط أي أمل في تشكيل حكومة محافظة من دون حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي تمنحه استطلاعات الرأي نسبة تزيد على 20%. ومع ذلك، كان التعاون مع القوميين من المحرمات حتى الآن، لأسباب ليس أقلها الظل الطويل الذي يخلفه ماضي ألمانيا النازي. إلا أن المحافظين يواجهون في جميع أنحاء أوروبا، نفس المعضلة، وهم يكافحون من أجل استعادة الأجزاء المفقودة من ناخبيهم بين الناخبين من الطبقة العاملة والريفيين والطبقة المتوسطة، وجذب الشباب الذين يغريهم التصويت الاحتجاجي اليميني المتطرف أو الامتناع عن التصويت. التهميش ولم ينجح تهميش اليمين المتطرف وشيطنته في وقف الخسائر، كما أن تبني بعض مفردات وسياسات الشعبويين في التعامل مع قضايا مثل الهجرة والهوية لم ينجح أيضاً، باستثناء ربما للديمقراطيين الاشتراكيين في الدنمارك. وتشمل الخيارات الأخرى السعي إلى إشراك اليمين المتطرف واعتداله من خلال التحالفات، أو تقديم عروض تستهدف مجموعات الناخبين الساخطين كالمزارعين وسائقي السيارات في الضواحي الذين يخشون من أن الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي، التي دفعت بها المفوضية الأوروبية بقيادة النائبة الديمقراطية المسيحية الألمانية، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، سوف تصادر سياراتهم، وتدمر سبل عيشهم. ويقوم مانفريد ويبر، زعيم مجموعة يمين الوسط في حزب الشعب الأوروبي، بتجربة كلا النهجين في سعيه إلى إعادة وضع الأسرة السياسية التي هيمنت لفترة طويلة قبل التصويت على مستوى الاتحاد الأوروبي في يونيو المقبل. والتقى في يناير الماضي مع ميلوني، لاستكشاف التحالف الممكن بين حزب الشعب الأوروبي، وحزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين القومي بعد الانتخابات المقررة العام الجاري. ويهيمن على الهيئة التشريعية في الاتحاد الأوروبي حالياً، اتفاق وسط ثلاثي بين حزب الشعب الأوروبي، والاشتراكيين والديمقراطيين، وحزب تجديد أوروبا الليبرالي. محاولة فاشلة وفي يوليو، قام ويبر بمحاولة فاشلة مع حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين القومي، والمجلس الأوروبي للحقوق المدنية وحزب الهوية والديمقراطية اليميني المتطرف لهزيمة قانون الاتحاد الأوروبي لاستعادة الطبيعة، وهو إجراء رئيس لحماية البيئة قال إنه سيثقل كاهل المزارعين، وسيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ويحاول ويبر إبراز حزب الشعب الأوروبي، باعتباره صديقاً للمزارعين وسائقي السيارات من دون تبني إنكار اليمين المتشدد لعلوم المناخ. ويعد ذلك عملية موازنة محفوفة بالمخاطر، خصوصاً عندما تضعه في مواجهة فون دير لاين. وفي الواقع فإن القيام بتحالف رسمي مع حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين القومي غير مرجح، إذ إنه يتطلب على الأقل دعم الليبراليين بما فيهم حزب النهضة الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ولذلك، فإن الأمر المرجح أكثر هو أن يحاول ويبر إغراء حزب ميلوني الصاعد، للانضمام إلى حزب الشعب الأوروبي، الذي ينتمي إلى يمين الوسط، وهو ما من شأنه أن يعزز موقفه مع شركائه الحاليين. وخلال اتخاذ القرار المتعلق بشأن تجنب أو تقليد أو تشكيل تحالفات مع اليمين القومي المتشدد، يتعين على أحزاب يمين الوسط السائدة في أوروبا أن تختار بين احتمال خسارة الناخبين أو خسارة أرواحهم. • في إيطاليا، فاز المتشددون اليمينيون العام الماضي بالسلطة في الحكومة التي ترأستها جورجيا ميلوني، من حزب «إخوة إيطاليا» ما بعد الفاشية. • لم ينجح تهميش اليمين المتطرف وشيطنته في وقف الخسائر، كما أن تبني بعض مفردات وسياسات الشعبويين في التعامل مع قضايا مثل الهجرة والهوية لم ينجح أيضاً، باستثناء الديمقراطيين الاشتراكيين في الدنمارك. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :