تشتاق النفس لمعاني الجمال الآسر لقيم الحياة وتفاصيلها، فتغدو باحثة عن ذلك في ثنايا الكلمات الساحرة للألباب، ممن كانوا مصدر تفاؤل ومحبة، ومبعث الجمال بالروح، فوجدت من أجمل ما حقق ذلك أبيات الشاعر السعودي الراحل إبراهيم جابر مدخلي أذكر أنه توفي رحمه الله بعد يوم واحد من إرساله أبيات معايدة وفرح وسرور وابتهاج بحلول عيد الأضحى المُبارك، مشاركاً من أحبهم هذه المناسبة السعيدة، فتتحرك المشاعر المختلجة من ذلك حين تجد أن الأمل والتفاؤل لم يغادر من كوامن الذين تكالبت عليهم الحياة وتداعياتها، وتبقى ذكراهم وتأثيرهم الجميل خالداً، تعود إليه الذاكرة بشوق كبير. نقش الشاعر رحمه الله أبيات معايدته لمحبوبته، بمعانٍ وصور فنية خلابة... حبيبتي وردنا في العيد قد فاحا حتى يعيد من الأزمان ما راحا يا عيد روحي وروح العيد يا قمرا ما زال يمطرني عطرا وأفراحا مبارك عيدك الأضحى وتهيئتي سحر بعينيك يحسو من دمي راحا وباقة من زهور القلب عطرها لحني الذي صار في كفيك صباحا وأعقب هذه التهنئة بالمباركة والتهنئة بالعيد السعيد المبارك لكل محبيه ومتابعيه، ونثر عبير زهور مشاعره وكلماته، وتنسم محبوه أريج عبقها، فقال مُعايداً مُباركا: «من أول الحاء حتى آخر الباء سقيتُ زهر التهاني ماءَ أضواء وجئت من خلف عطري كي أقول لكم: عيدٌ سعيدٌ عليكم يا أحبائي». كان مُحباً للجمال بالحياة المُفعمة، ناثراً ما في نفسه من تجربة غنية من حُبٍ، ودفءٍ يقبع في داخله ووجدانه، تلمس عبير رقيق مشاعره، كالزهور ذات اللون البهيج الجميل والرائحة الزكية حينما تُنثر على الدرب، فيجتمع السرور بالألوان ورائحتها فيُخاطب الأنف العيون مُغزلاً دونما أي همس، ففي «نَثِيْث» هذه الصفحات، التي اجتمعت بين دفتي كتاب ضم قصائد نفيسة ثمينة، كانت هذه المُفردة عنواناً لها، فكانت كلمة تروي حكايات ومعانيَ لا حصر لها، صور فنية فائقة في هذه القصيدة، تغزل فيها الشاعر بأرقى العبارات والأوصاف، وأهذبها دون صخب أو مجون، أبصرتها حين ذهبت بتفكيري مطلقة العنان بهذه الأوصاف الرائعة. لِفَمِ الفؤادِ تَدَلّتِ الأعنابُ والسحرُ والكلماتُ والأنخابُ ومشاعرٌ نَثَتْ رقيقَ عبيرها وعرائسٌ ورديةٌ وضبابُ والحرفُ يجمعُ من لساني سُكراً والشهدُ نهرٌ في دمي ينسابُ ووقفتُ حزناً في زِفافِ قصيدتي تبكي العيونُ وتشهقُ الأهدابُ ما كنتُ أَحْسَبُ للزهور مخالباً أو أنّ لُطْفَ غصونِها أنيابُ فأنا لكتّاب الأنين محابرٌ وأنا لقراءِ الحنينِ كِتابُ... ولو أردت الوقوف على القصائد الأخريات في هذا الديوان لما أكفاني محبرة وقرطاس، كانت عناوينها تحكي قصتها ومشاعر مختلجة، وأحاسيس عديدة، كان رحمه الله يبتغي أن يدرك القارئون كيف ينعمون بالجمال، ويلمسونه في كل لحظة من لحظات حياتهم، غادر رحمه الله إلى جوار ربه، وحزنت النفوس لفقده ولا اعتراض على ما أمر الله به وقضى، لكن طيب ما خلفه يبعث عبقاً لا يتوقف أبداً، يشتم المارون رائحته النقية كلما عبروا في مسيرة تذكره، وقراءة ما اختطه بحبره ورسمته يداه، رحمك الله وجعلك في أعالي الجنان.
مشاركة :