طارق عبدالحكيم.... لغة الفن والتكريم - ناهد الأغا

  • 4/28/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك أن فكرة المتحف بحد ذاتها تعني ما يختلج في مكنونها من كنوز وآثار خالدة، تستوجب المحافظة عليها وحمايتها، والاعتناء بها لما تمتاز به من ندرة اختص بها دون غيره، ويدل بشكل موازٍ مدى حرص القائمين وتأكيدهم على تميز ما صُمم المتحف المختص لأجله، ويُلمَسُ كذلك التقدير الكبير والاعتزاز بهذا الموروث العريق والعزيز على النفس. فكان من التكريم اللائق الوقوف على سيرة وإنجاز أيقونة من أيقونات الغناء والطرب الأصيل العربي وليس السعودي فحسب، تأسس متحف طارق عبدالحكيم في مدينة جدة، وتم افتتاحه أواخر عام 2022، متخذاً من بيت المنوفي في منطقة البلد التاريخية المسجلة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2014 مقراً دائماً له، ليضم هذا المتحف بين جنباته إسهامات الفنان الكبير السعودي الراحل طارق عبدالحكيم في التاريخ الموسيقي المحلي وإبداعه الفني عبر مسيرته الممتدة لعقود من الزمن، كان فيها عميداً للفن السعودي بكل فخر، شمر فيها عن ساعديه ملحناً ومُغنياً، وباحثاً في الموسيقى، ومؤرِّخاً يجمع الوثائق والآلات الموسيقيّة، إضافة إلى اهتمامه بالفنون الأدائية، وقيادته لفرقةٍ موسيقيةٍ، أجد نفسي لا أعرف هل أتحدث عن شخصية فنية أم منجز وطني حضاري، فإذا اتجهت البوصلة نحو الشخصية المقدرة ذات الحضور الفني الأصيل والمتزن، حين تتامل في صوته وأدائه وألحانه ويرافق مسيرة وطن بأكمله كلما عُزفت ألحان النشيد الوطني الغالي على النفوس، وغيرها من الألحان التي زيّنت أغاني مطربين سعوديين وعرب كفنان العرب محمد عبده، ومغنين ومطربين عرب كنجاة الصغيرة وفايزة أحمد وصباح وسميرة توفيق ووديع الصافي وكارم محمود، ومحمد قنديل، وسميرة توفيق، ووديع الصافي، فطافت ألحانه شرق الوطن العربي وغربه، وطرب الجميع لصوته حينما غنى قصائد لشعراء كإبراهيم خفاجي وطاهر زمخشري ومحمد الفهد العيسى ومحمد طلعت وعبد الحميد ربيع ومحمد ناصر السويلم وخالد الفيصل وفهد بن محمد. ولم يقتصر الأثر على النغم واللحن، فكان للمكتبات نصيب من هذا الإبداع والتميز، فكان له مؤلفات أدبية إن أمكن وصفها بذلك، ومنها مشاهير الموسيقيين العرب، والأنغام الخفية.. في الصحراء السعودية، أشهر الفلوكلورات الشعبية بقواعدها ونظرياتها الموسيقية فى المملكة العربية، قواعد الموسيقى ونظرياتها، الآلات الطربية في المملكة العربية السعودية، شدو البلابل: أغاني عاطفية وأناشيد وطنية حماسية، السلام الوطني السعودي، دليل العازفين الموسيقيين العسكريين، تاريخ الموسيقى العسكرية قديماً وحديثاً، ملك الطرب عند العرب، السلام الرسمي للدول العربية، العرضة السعودية وسامري عنيزة. وعند الذهاب إلى المتحف والسير في جنباته - بالإضافة إلى فخامة التنظيم - تلمس شيئاً مميزاً يدل على رقي تفكير من ابتكر إنشاء متحف بهذه الصورة ولغاية مُشرّفة من وزارة الثقافة، وما تحفل زواياه من متعلقات طارق عبد الحكيم الشخصية، وبعض المقطوعات الموسيقية، إلى جانب مواد مرئية وصوتية لطارق عبد الحكيم وهو يؤدي أغاني من ألحانه، وغيرها من الأعمال الوطنية والفنون التقليدية، ومقابلات أجراها الفنان الراحل مع موسيقيين، وشخصيات متعددة، ويضع أمام المهتمين والجميع دون استثناء مسيرة سيرة ومسيرة مبدع قدم أنموذجاً وطنياً سعودياً متميزاً ورسم خطاً في الثقافة والفنون السعودية. فعُرضت المقتنيات الشخصية للفنان الكبير الراحل، فكانت سترته العسكرية من أزيائه المفضلة على غرار الثوب المفضل لديه، والزي السديري بمفتاحه الموسيقي الثلاثي، وهذا على المستوى الحسي، إضافة على عرض المقتنيات والأشياء الحسية كان للأبحاث الرصينة نصيب وحضور فحرص القائمون على تخصيص وحدة متخصصة ومعنية بالشؤون البحثية ذات العلاقة الكبرى والمباشرة والمتخصصة بالأبحاث الموسيقية وأرشفتها، وتضم هذه الوحدة أو الجناح - إذا أردنا ان نُسميه بذلك - على ما اختطه الفنان الراحل الكبير بيده من مؤلفات وكتب ودراسات أو مقالات، أو ما كانت ضمن ممتلكاته ومقتنياته الثقافية والفكرية، ومن ذلك انطلقت هذه الوحدة المتخصصة والمعنية (مركز الأبحاث الموسيقية ووحدات الأرشفة) بحفظ وتوثيق وتحليل ما تعنيه ويقصد به الموسيقى والفنون والتراث السعودي وإعادة تعريفها بالمعنى الأكثر دقة، إضافة إلى ما يسعى إليه المركز من تعزيز فهم الموسيقى السعودية والعربية، وورفع مستوى الوعي بها، تكريساً لإيلاء المكونات الثقافية الاهتمام الكبير، وإتاحة الفرصة وتوفيرها للباحثين والمُتخصصين والدارسين بمعرفة الكثير والكثير والأفضل عن ما كان له دور في بناء مكنونات وتكوين الشخصية الوطنية وإبرازها إلى العلن والوجود، تكريساً وتحقيقاً للنهج السامي وقطف ثمار رؤية الخير رؤية 2030 .

مشاركة :