بعد 88 عاماً من زيارة الرئيس الأميركي الأسبق كالفن كوليدج للعاصمة الكوبية هافانا والتي كانت في عام 1928 جاءت زيارة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما لكوبا في عام 2016 ليكون الرئيس الأميركي الثاني الذي يزورها بعد تلك القطيعة الطويلة التي كانت فيها كوبا ويبدو بأنها ما تزال ضحية للحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي آنذاك. وكان دور كوبا في تلك الحرب الباردة السبب الرئيسي الذي أوجب قطع الولايات المتحدة للعلاقات معها حيث ساندت حليفها الاتحاد السوفيتي بسماحها في عام 1962 ببناء وتجهيز قواعد عسكرية سوفيتية سرية على أراضيها تحتوي على منصات لإطلاق صواريخ نووية متوسطة المدى لتكون قادرة على ضرب مساحات كبيرة من أراضي الولايات المتحدة الأميركية. أراد الاتحاد السوفييتي حينها الرد على بناء القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في بريطانيا وإيطاليا وتركيا والتي كانت صواريخها موجهة لضرب وتدمير موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي لتحدث الأزمة التي عرفت بأزمة الصواريخ الكوبية والتي كادت تبعاتها أن تؤدي إلى نشوب حرب نووية عالمية تتحول فيها تلك الحرب الباردة إلى حرب حقيقية وفعلية. وقررت عندها الولايات المتحدة مهاجمة كوبا عسكرياً ولكن ولحسن الحظ وبجهود من الأمم المتحدة تم حل الأمور سلمياً بين الدولتين بعد أسابيع قليلة من تصعيد وتصاعد الأحداث بالاتفاق على إزالة القواعد العسكرية السوفييتية وتفكيك منصات الصواريخ فيها مقابل التراجع عن الهجوم العسكري على كوبا وإزالة القواعد العسكرية الأميركية في أوروبا. عندها هدأت الأمور ظاهرياً بين الأميركيين والسوفييت ولكن كوبا التي تخلى عنها الاتحاد السوفييتي أصبحت الضحية بعد أن اعتبرتها الولايات المتحدة عدواً لها وفرضت عليها حظراً قاسياً بموافقة دولية ضمنية لتبدأ القطيعة والمعاناة التي ازدادت قسوتها بتجاهل حلفائها الذين ضحت بتهور من أجلهم بأمنها ومستقبلها تحت مبدأ التضامن الاشتراكي. ظلت كوبا لأكثر من نصف قرن تعاني من نتائج وتبعات تدهور وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية وفرض الحظر والعقوبات عليها واستمر حالها هكذا حتى أعوام قليلة ماضية عندما حصل ما وصفه محللون سياسيون دوليون بأنه بوادر وبداية لتمهيد استئناف العلاقات "الودية" بين البلدين وإنهاء ذلك الحظر وتخفيف ورفع العقوبات. بدأت تلك البوادر في عام 2008 بعد تنازل الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو عن الحكم بسبب مرضه لأخيه الأصغر راؤول والذي يعتبر أقل تشدداً منه في عدائيته للولايات المتحدة وأكثر انفتاحاً في إدارته للبلاد ويحاول بجهد تحسين الوضع الاقتصادي في كوبا وإعادتها للتواجد والحضور السلمي على الساحة الدولية وتغيير وتحسين صورتها العالمية. وبالفعل فقد نجح راؤول مبدئياً في استئناف اتصال كوبا بالعالم وكان ذلك بحضوره لمراسم تأبين زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا ومصافحته هناك للرئيس الأميركي باراك أوباما لأول مرة بعد قطيعة 53 عاماً بين بلديهما وكان ذلك في عام 2013 ثم التقيا وتصافحا مرة أخرى في عام 2015 في قمة الأميركتين الأخيرة التي تحضرها كوبا لأول مرة حينها. وبعد هذه المصافحات التي شكلت سلمية رمزية للعلاقات بين البلدين أعلن أوباما رسمياً قراره التاريخي بعودة العلاقات مع كوبا ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي وإعادة فتح السفارة الأميركية في العاصمة الكوبية هافانا والسفارة الكوبية في العاصمة الأميركية واشنطن في أغسطس من عام 2015 بحضور وزيري الخارجية الأميركي والكوبي. كما تم تخفيف ورفع بعض العقوبات الأميركية السابقة المفروضة على كوبا في المجالين المصرفي والسياحي وإلغاء بعض القيود فيهما والسماح بعودة السفر والتنقل بين مواطني البلدين لغرض السياحة أو غيرها وكذلك السماح لبعض المنظمات الإنسانية الأميركية والكوبية بتبادل المنافع وشطب كوبا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. هذه بعض مشارف مستقبل كوبا بعد التغييرات الإيجابية الملحوظة في إدارتها وسياستها الداخلية والتي انعكست كذلك على علاقاتها الخارجية مع راؤول كاسترو الذي سيحتاج لوقت وجهد طويل في سعيه على ما يبدو حتى الآن لانتشالها من سلبية كبرياء ماضيها الذي أعياها وعزلها لأكثر من نصف قرن مضت من عمرها وهي تنتظر بأمل.
مشاركة :