الأسرة هي البيت الأول والحاضن الوحيد للأبناء، هي من تعلم وتأسس وتغرز القيم والمبادئ الأساسية في نفوسهم وشخصياتهم، إن صلح حالها صلح حال الأبناء تلقائياً، وإن قصرت وعجزت، كان تأثيرها سلبياً عليهم. من خلال الأسرة تنمو مجتمعات وتزدهر وتتطور، فهي من يبذر البذرة الأولى التي تحتاج إلى جهد وعمل وصبر ووعي وإدراك لقيمتها الحقيقية. هناك من يجهل قيمة هذه الأسرة وقيمة استقرارها نفسياً ومعنوياً، فيحطم كل تلك القيم في لحظات غاضبة، أو قرارات مصيرية، تؤثر على جميع أفراد الأسرة، يتعرض الوالدان فيها إلى زوابع وخلافات ومشكلات تؤدي إلى حدوث الطلاق والانفصال، وهذه سنة الحياة، هناك من يستمر فيها وهناك من يقرر إنهاء هذه العلاقة الزوجية، وهناك حرية الوالدين كما يرغبان وكما يتفقان، لكن للأسف ضحية هذه القرارات هم الأبناء، وبخاصة عندما لا يدرك الوالدان كيفية إنهاء هذه العلاقة بهدوء ووعي وتفاهم. بعض الوالدين ينهون هذا الرابط بسيل من المشكلات والضجيج والكره والعدائية والانتقام فيما بينهما، ولا يدركان مدى تأثير هذا سلباً على نفسية الأبناء، فيبدأ الطرف الأقوى بالتلاعب والتعامل غير المسؤول أبداً نتيجة غياب الوعي، أو محاولة الانتقام في رد الاعتبار حتى لو كان على حساب الأبناء. بعضهم يصل بهم الحال إلى عدم إضافة الأبناء في بطاقته أو هويته الوطنية، يماطل طليقته وينتقم منها غير مدرك أنه ينتقم من نفسه، لأنه ينتقم من أبنائه بالدرجة الأولى، فتضيع سنوات ووالدتهم تبحث عن معين يساعدها في إضافة الأبناء أو صرف نفقتهم على رغم أن القانون وضَّح ذلك. والمخجل أن بعضهم يسافر إلى بلاد الله الواسعة، وفي لحظة «نشوة» يقرر الزواج ويستمتع ثم يعود، تاركاً خلفه زوجةً حاملاً لم يسأل عنها، بل يصل به الأمر أن يطلق ولا يعترف بأبوّته، ويتنصل من المسؤولية. والبعض يتخاصم على حضانة الأبناء، حتى يصبح الأبناء كالكرة يتقاذف بهم في كل مرة هنا أو هناك، يُسمِعون الأبناء سيلاً من الشتائم والتحقير والاستهزاء من أحد والديهم على الآخر، ما يسبب لهم ضغوطاً نفسية عدة، أولها الخوف وعدم الشعور بالأمان والاستقرار، ينتج في داخلهم اهتزازاً في شخصيتهم، إما أن تكون ضعيفة مستسلمة، أم عدوانية صاحبة سلوكيات مضطربة. السؤال، لماذا لا يتم إنهاء هذه العلاقة الزوجية بهدوء وسلام؟ هل بسبب عدم إدراك ثقافة التسامح، أم قيمة العفو والغفران، أم بسبب الأنانية الطاغية التي غطت على كل شيء، وأولها مصلحة الأبناء. كان الأجدر أن يتفاهما على سبل الطلاق وكيفية رعاية الأبناء بينهما باحترام وتحكيم العقل والمنطق، وقبل ذلك حس المسؤولية تجاه نفسيهما وتجاه أبنائهما، إلى متى يكون هذا الدور غائباً! ويدفع الأبناء فاتورة أخطاء الكبار، إذ يتجرعون مرارة العيش في تنقل هنا وهناك، والدخول في صراعات ومشكلات تحدث تحت مسامعهم تؤثر على قلوبهم الصغيرة، وتجعل الأرق يدق نومهم، وتشعرهم بعدم الانتماء للأسرة فعلياً. ما يغيب عن الوالدين أن هناك نماذج من الأسر التي حدث فيها انفصال أو طلاق، ونجحت في التنشئة الاجتماعية للأبناء بإيجابية وتفوق، بل واصل الأبناء إلى مراحل متقدمة وحصلوا على شهادات عليا، مع استقرار نفسي ومعنوي عالٍ جداً، على رغم أنهم عاشوا إما عند الأم أو عند الأب، لماذا؟ لأن الوالدين هنا لم يدخلوا إلى دائرة الصراعات العقيمة، بل عاشوا على التفاهم والاحترام وتقسيم الأولويات، ومشاركة الأدوار بتفاهم تام، ولم يخوضوا حلقة الصراع أو الانتقام أو الحقد على الآخر. ألم يحن الوقت أن نفهم وندرك قيمة التنشئة الاجتماعية للأبناء بوعي تام، وإنها مسؤولية عظيمة نحاسب عليها! Haifasafouq@
مشاركة :