هل حان أوان إنتاج مسلسل عن حياة بورقيبة | الحبيب الأسود | صحيفة العرب

  • 4/3/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تونس – قوبل استدعاء الحلقة الأخيرة من مسلسل “فلوجة” للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، الذي عرف بمواقفه الداعمة للتعليم وتحرير المرأة، بتفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان الوقت قد حان لإنتاج مسلسل عن حياة بورقيبة وسنوات حكمه وتأثيره في حياة التونسيين. واختارت مخرجة “فلوجة” سوسن الجمني أن تختتم الجزء الثاني من مسلسلها بمقتطف من محاضرة للزعيم بورقيبة ألقاها في معهد الصحافة وعلوم الإخبار في مفتتح الموسم الدراسي الجامعي للعام 1973 وتحدث فيها بجرأة كبيرة عن تفاصيل حياته العائلية والاجتماعية والسياسية. وتحدث بورقيبة، مؤسس الدولة التونسية، عن مراحل دراسته، وإصراره على النجاح فيها، حتى لا يعيش ما عاشه والده من معاناة ومتاعب، مستعيدا ما قاله له أبوه: “أريدك أن تنجح حتى لا توضع على ظهرك البردعة كما وضعت على ظهري”، في إشارة إلى الأعباء الكبيرة التي تحملها في حياته. تضمين كلمة بورقيبة في المسلسل أثار جدلا واسعا في الأوساط التونسية، بين أغلبية مرحبة، وأقلية مازالت تبدي عداء عقائديا وفكريا وسياسيا للزعيم والبردعة هي ما يوضع على ظهر الحمار أو البغل مثلما يوضع السرج على ظهر الحصان. وأثار تضمين كلمة بورقيبة في المسلسل جدلا واسعا في الأوساط التونسية، بين أغلبية مرحبة، وأقلية مازالت تبدي عداء عقائديا وفكريا وسياسيا للزعيم التاريخي للبلاد. وطرح هذا الجدل فرضية إعداد عمل تاريخي حول شخصية الزعيم الحبيب بورقيبة، كما حدث في مصر التي أنتجت فيلم “ناصر 56” للمخرج محمد فاضل ومسلسل “ناصر” للمخرج باسل الخطيب وأظهرت شخصية جمال عبدالناصر في عدد كبير من الأعمال الدرامية بصورة تنعش ذاكرة الأجيال المتلاحقة وتفتح عيونها على جوانب مهمة من تاريخها المعاصر. ومنذ أن تمت الإطاحة ببورقيبة في السابع من نوفمبر 1987، تعرضت سيرته لمحاولات تشويه، ثم تم لاحقا فرض حصار على اسم بورقيبة ومرحلة حكمه ومنجزاته وخاصة في وسائل الإعلام وفي المواد التعليمية والثقافية. وكان من الممكن إنجاز عمل درامي حول شخصية بورقيبة في مرحلة الانتقال الديمقراطي وحرية التعبير التي عرفتها البلاد بعد يناير 2011، لكن الأمر ليس سهلا؛ فشخصية بورقيبة شخصية جدلية، ولها الكثير من المحبين، لكن في المقابل لها خصوم قد يكونون أقلية ولكنهم مؤثرون في الساحة الإعلامية والثقافية، وأغلبهم من اليسار، بالإضافة إلى الإسلاميين الذين يعتبرون بورقيبة عدوا تاريخيا لمشروعهم الثقافي والسياسي، ويتهمونه بالوقوف وراء ما اعتبروه حربا على الهوية العربية الإسلامية. وحين يتحدث التونسيون عن بورقيبة يذهبون مباشرة إلى تركيزه على التعليم الحديث وجعله إجباريا، ما مكّن من المساواة بين أبناء المدن والعائلات الثرية من جهة وأبناء الأرياف والقرى من جهة أخرى. وعُرف بورقيبة بدعمه لحقوق المرأة وبمجلة الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة) التي كانت رائدة في العالم العربي والإسلامي. ويحتاج عمل درامي عن شخصية بورقيبة إلى إمكانيات مادية كبيرة، ولكن كذلك إلى الشجاعة في طرح الكثير من الأسئلة المهمة في علاقته بالأحداث الكبرى التي عرفتها تونس، وخاصة مع استقلال البلاد في مارس 1956 والصراع داخل الحزب الحاكم آنذاك وهو الحزب الحر الدستوري بين جناحي البورقيبيين واليوسفيين، نسبة إلى الزعيم صالح بن يوسف، ثم معركة إجلاء القوات الفرنسية عن بنزرت، وكذلك المحاولة الانقلابية التي تم الكشف عنها في ديسمبر 1962، وما عرفته البلاد لاحقا من أحداث كبرى كان لها تأثير بالغ على مسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولا أحد ينفي عن بورقيبة زعامته الوطنية ومسيرته التنويرية وإصلاحه الاجتماعي الذي سبق به دول الجوار ودولا عربية وأفريقية، وقدم بذلك نموذجا مهما للزعيم السياسي السابق لعصره، ولكن في الوقت نفسه يحتاج إنجاز عمل درامي تاريخي عنه إلى جهود دولة، وإلى مصالحة شعبية واسعة مع التاريخ.

مشاركة :