أمل العودة انتشر فيما مضى مقطع مصور لرجل يضرب أطفاله ويشتمهم بعد أن داهمهم وهم يلعبون كرة القدم في مجلس الرجال. لا أظن أنه قد جال بخاطر الأب أو أطفاله ولو للحظة أن هذا الموقف كان ليفتح لهم أبواب الشهرة والانتشار، وهو ما حدث فعلاً؛ إذ انهالت عليهم الهدايا والمكافآت والدعوات، حتى أنه تم استضافتهم في برنامج تليفزيوني! وقد تباينت آراء وردود أفعال الناس حول ذلك المقطع بين مؤيد ومعارض إلا أن الرجل وأبناءه ببساطة أصبحوا نجوماً بين عشية وضحاها. بعض الشركات التي تسعى لتنمية أرباحها والوصول لأكبر شريحة من الناس، وجدت فيهم موضعاً ملائماً للدعاية والتسويق، لكنها أخفقت في مسؤوليتها المجتمعية؛ حيث إن تلك الشركات في سبيل الربح والانتشار قد قامت بتعزيز سلوك ولفظ غير مقبول وجعلته ضمنياً قولاً وفعلاً محموداً. فمن يرى المقطع ومن ثم يرى ما حصلوا عليه من حفاوة وتكريم كنتيجة يظن لا محالة أن ضرب الأطفال بالعصا وشتمهم بل وحتى اللفظ بلعن والديهم أمر مستساغ وطبيعي في سياق هذا المجتمع الذي لا يستوجب الإنكار ولا المناصحة. هذه الحادثة ليست الأولى، وقطعاً لن تكون الأخيرة في محاولة جعل الحمقى مشاهير ونجوماً تتم استضافتهم في المحافل وتكريمهم وإغراقهم بالعطايا، وإذا غضضنا الطرف عن تلك الحادثة تحديداً ونظرنا بأفق أكثر اتساعاً، فما هي الرسالة الأكبر هنا؟ إن الرسالة المبطنة هي أن الشهرة مدعاة للتكريم والاحتفاء. إن الشهرة بحد ذاتها غاية وليست وسيلة أو نتيجة لما تقوم به من صنيعٍ حسن. لا يهم كثيراً أي السبل تسلك للوصول لتلك الغاية المنشودة، فبعد أن تحقق الانتشار وتصبح نجماً يشار له بالبنان لا أحد سيهتم لمسوغات هذه النجومية ويقوم بتفنيدها، بل إن أحد مشاهير الغفلة عندما وجه له أحد المتابعين انتقاداً، رد عليه باستهجان قائلاً: «ما بقي إلا نكرة يتكلم»! المهم أن تصبح نجماً، لا يهم كيف تصبح كذلك! سواء بتفحيط تكاد تزهق فيه أرواح الأبرياء وتعرضهم ونفسك للخطر، أو استعراض لمهارتك في اختراق أجهزة الآخرين والتلصص على أسرارهم وخصوصياتهم، أو بمقاطع تتبجح فيها بالاستهزاء بلون ركبة ابنة بلدك وتظن فيها أنك قد «جبت خفة الدم من ذيلها»! إنني كأم وربما يشاطرني الهم غيري من الآباء والمربين أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه الرسائل التي يبثها الفكر الجمعي وتسهم بعض المؤسسات والشركات في تعزيزها دون اعتبار لأثرها البعيد وتأثيرها على الناشئة، فآخر ما نريده أن يسعوا لكل ما هو غريب أو شاذ أو غير مستساغ فقط ليدركوا هدف النجومية دون أدنى اعتبار لمشروعيتها. إذا كانت الشعوب تصنع طغاتها فهي بلا أدنى شك تصنع نجومها أيضاً، والإشكالية تكمن عندما نصنع نجوماً من غبار ونعزز بشكل ضمني سلوكيات وممارسات لا يرتضيها لنا دين أو عرف. ربما لا نستطيع أن نتصدى لتلك الرسائل أو أن نقوم بتعرية ونقد أسباب نجومية البعض، لكن أضعف الإيمان هو أن لا نسهم في انتشارها، وأن لا نقدم الإعجاب والتقدير لأصحابها، فلو قوبل كل نجم وهمي بالتجاهل ألن يجعله ذلك وغيره يعيد النظر في أسباب نجوميته المزعومة؟ أليس في السكوت عن الباطل إماتة له؟
مشاركة :