طهران/فيينا - تصطدم محادثات فيينا النووية غير المباشرة بمناخ من عدم الثقة المتبادلة بين طهران من جهة وواشنطن والأطراف الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي للعام 2015، رغم إن كل الأطراف صرحت في الأيام الأخيرة وحتى في الساعات القليلة الماضية بأن الجولة السابعة من المحادثات تؤكد رغبة إيرانية جدية في التوصل لصيغة لإعادة إحياء الاتفاق. وفي مؤشر على الأجواء الضبابية ومصير المباحثات النووية، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان قوله اليوم الخميس إنه ليس متفائلا بنوايا الولايات المتحدة والقوى الأوروبية في محادثات فيينا التي تهدف لإنقاذ الاتفاق النووي. وبحسب المصادر ذاتها قال عبداللهيان خلال محادثة هاتفية مع نظيره الياباني "ذهبنا إلى فيينا بعزيمة جادة، لكننا لسنا متفائلين إزاء إرادة ونوايا الولايات المتحدة وأطراف الاتفاق الأوروبية الثلاث". وقالت الولايات المتحدة من جهتها اليوم الخميس إنه ليس هناك ما يدعو للتفاؤل إزاء إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وإنها ستتبين خلال يوم واحد أو نحو ذلك ما إذا كانت إيران ستتفاوض بحسن نية، بينما قدمت طهران مقترحات جديدة. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصحفيين في ستوكهولم "أعتقد أننا في المستقبل القريب جدا، في يوم أو نحو ذلك، سنكون في وضع يسمح لنا بمعرفة ما إذا كانت إيران تنوي بالفعل المشاركة الآن بحسن نية". وأضاف "يجب أن أقول لكم، إن التحركات ولهجة الخطاب في الآونة الأخيرة، لا تبعث كثيرا... على التفاؤل، لكن على الرغم من تأخرها بشدة، لم يفت الأوان بعد لقيام إيران بتغيير المسار والمشاركة بصورة بناءة". وقال بلينكين للصحفيين في ستوكهولم "الشيء الذي لا يمكن لإيران أن تفعله هو الحفاظ على الوضع الراهن حيث تقوم ببناء برنامجها النووي وتتباطأ في المحادثات. لن يحدث هذا". ولم يتضح ما إذا كان بلينكن اطلع على أحدث المقترحات التي قدمها الإيرانيون عندما أدلى بتصريحاته. وسلمت إيران القوى الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مسودتين بشأن رفع العقوبات والالتزامات النووية في إطار سعي القوى العالمية وطهران لإحياء الاتفاق، وفق ما أعلن اليوم الخميس علي باقري كني رئيس فريق المفاوضين النوويين الإيراني. وجاء هذا الإعلان في اليوم الرابع من المباحثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن عودة البلدين للامتثال الكامل لشروط الاتفاق. واستؤنفت المحادثات بعد توقف دام خمسة أشهر بسبب انتخاب إبراهيم رئيسي، وهو سياسي من غلاة المحافظين، رئيسا جديدا لإيران. وقال علي باقري كني للصحفيين في فيينا "قدمنا لهم مسودتي مقترحين... يحتاجون بالطبع لفحص النصوص التي قدمناها لهم. إذا كانوا مستعدين لاستكمال المحادثات، نحن في فيينا لاستكمالها". وأكد دبلوماسي أوروبي في فيينا تسليم المسودتين. وكانت إيران قد قلصت بموجب الاتفاق برنامجها النووي في مقابل رفع عقوبات اقتصادية فرضتها عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق في 2018 وأعاد فرض عقوبات صارمة على طهران مما دفعها لانتهاك شروط الاتفاق. وقال باقري كني للصحفيين "نريد رفع كل العقوبات دفعة واحدة"، مضيفا أن مقترحا إيرانيا بشأن كيفية التحقق من رفع العقوبات والذي يمثل الأولوية القصوى لطهران في المحادثات، سيتم تسليمه للأطراف الأوروبية في وقت لاحق. وقدر دبلوماسي أوروبي كبير أنه تم استكمال ما بين 70 و80 بالمئة من مسودة اتفاق عندما جرت المباحثات السابقة بين إيران والقوى العالمية في يونيو/حزيران. وقال يوم الثلاثاء إنه ليس من الواضح ما إذا كانت طهران ستستأنف المحادثات من حيث توقفت. ورغم أن باقري كني قال إن كل ما تم التفاوض عليه خلال الجولات الست السابقة من المحادثات بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران مفتوح للنقاش، فقد قال عضو في الوفد الإيراني إن "عناصر في المسودة المتفق عليها سابقا تتعارض مع الاتفاق النووي تم تعديلها وإنه تم سد ثغرات" في المسودتين اللتين قدمتهما إيران. أما إسرائيل التي عارضت الاتفاق الأصلي عام 2015 ووصفته بأنه محدود المجال والأمد، فقد حثت القوى العالمية اليوم الخميس على وقف المحادثات على الفور. واستندت في هذا الطلب إلى تقرير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية جاء فيه أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة أكثر تطورا للطرد المركزي في منشأة فوردو المحفورة في بطن جبل والتي كان الاتفاق يحظر التخصيب فيها. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أعلنت أمس الأربعاء أن إيران بدأت عملية تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 20 بالمئة في سلسلة واحدة تتألف من 166 جهاز طرد مركزي من طراز آي.آر-6 في موقع فوردو. ويعتزم باقري كني لقاء المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في وقت لاحق اليوم الخميس في فيينا حيث يوجد مقر الوكالة. وسبق لغروسي الذي زار طهران في الفترة الأخيرة أن عاد دون تحقيق نتائج تذكر بعد محادثاته مع مسؤولين إيرانيين حول قضايا عالقة ونقاط خلافية. كما اشتكى من تعرض مفتشي الوكالة للمضايقات بما يعرقل عملهم. واعتبر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أن اتفاقًا حول برنامج بلاده النووي هو "في متناول اليد"، لكنّه رهن بـ"حسن نية" الدول الغربية، مضيفا أن المفاوضات التي استُؤنفت مطلع الأسبوع في فيينا "جدّيّة". وكتب الوزير في تغريدة ليل الأربعاء الخميس أن "اتفاقا جيدّا في متناول اليد إن أبدى الغرب حسن نية. نسعى إلى إجراء حوار منطقي ومتّزن وهادف للوصول إلى نتيجة"، مشيرا إلى أن "محادثات فيينا جارية بجدّيّة ورفع العقوبات لا يزال الأولوية الأساسية". وبعد خمسة أشهر من توقفها، استُؤنفت المفاوضات لإحياء الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني الاثنين في العاصمة النمساوية. وأوضح أمير عبداللهيان الذي يقود المفاوضات من طهران، أن "الخبراء يواصلون أعمالهم" مضيفا "أنا على تواصل يومي مع كبير المفاوضين (الإيراني) علي باقري" في فيينا. وفي مقابلة نشرها موقع "ميدل إيست آي" الالكتروني، قال باقري إن بلاده "لا تشعر بأي ضغط لتوقيع اتفاق. الكرة في ملعب الأميركيين. يجب أن يرفعوا عقوباتهم" مشددا في الوقت نفسه على أن إيران جدية جدا في عزمها انجاز المفاوضات. بعد الاجتماع الرسمي الذي عُقد الاثنين، بدأت مجموعات خبراء الثلاثاء مناقشة مسألة العقوبات الأميركية الحساسة، قبل التطرّق الأربعاء إلى الشقّ المتعلّق بالتزامات طهران النووية بموجب الاتفاق.
مشاركة :