الرباط - تدور أحداث الفيلم المصري التسجيلي"جاري تحميل حلم" للمخرج أحمد عبدالعليم قاسم حول قصة "هاني" الذي يلفت نظره الشغف الكبير من أصدقائه الأجانب نحو الاحتفاظ بهدايا تمثل مقتنيات الفرعون الشاب توت عنخ أمون، إذ تتوالي رحلته حول لغز الملك في وفاته واكتشاف مقبرته إلي أن يصل إلي أن المتحف الكبير، إذ يشهد أول لقاء له في التاريخ مع الملك رمسيس الثاني في أكبر تجمع للمقتنيات الحقيقية مدعوما بأحدث تقنيات العرض، ما يمكنه من اكتشاف المزيد من أسرار الملك الشاب. العمل من إنتاج قناة النيل الدولية برئاسة الإعلامية تغريد حسين، من سيناريو وإخراج أحمد عبدالعليم قاسم، وأداء هانى سمير سيف. وشارك هذا الفيلم الوثائقي في العديد من المهرجانات وحصل عدة جوائز كان أبرزها فوزه بجائزة الجمهور في مهرجان يوسف شاهين للأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة في دورته ال12، وفي هذا السياق كان ل"ميدل إيست أونلاين" حوار مع المخرج المصري أحمد عبدالعليم قاسم. وفيما يلي نص الحوار: كيف حكيت قصة توت عنخ أمون كشخصية تاريخية بشكل يثير الفضول؟ إنبهرتُ أولاً برحلة كتابة العمل والمراجعة قبل التصوير، ثم عبرتُ عن ذلك من خلال الدراما الوثائقية حول قصة "هاني" بطل الفيلم، الذي يرافقنا في رحلته من خلال شغف أصدقائه الأجانب بمقتنيات الملك الذهبي المقلدة المنتشرة في البازارات، كالكرسي والقناع وغيرهما، ثم نراه يتأمل القناع الذهبي الذي يقطن في المتحف المصري، وتعَد أعظم قطعة أثرية على وجه الأرض كانت تستعد للرحيل إلى المتحف المصري الكبير، إلى جانب تمثال رمسيس في قاعة مخصصة للملك الذهبي، وتضم أكثر من 5000 قطعة أثرية في عرض هو الأول من نوعه في تاريخ المتحف العالمي. هل كانت هناك لحظة خاصة في الرحلة التصويرية تعتبرها تحديًا فنيًا في نسج قصة "هاني"؟ هي لحظة تجول "هاني" حول المسلة المعلقة، كانت لحظة مؤثرة وأطلقت عليها لقب اللقطة المستحيلة، فقد كانت المسلة معلقة بشكل أفقي على جانبها قبل أن يتم وضعها بشكلٍ رأسي في وضعها الدائم، إذ أن إلتقاط هذه اللحظة كانت تحديًا صعبًا للغاية ولا يمكن لأي فيلم آخر تصويرها بعد أن تستقيم المسلة ويُسجل هذا الحدث في موسوعة الأرقام القياسية غينيس، حيث تكون هذه اللقطة جزءًا لا يتجزأ من الإفتتاح العالمي للمتحف المصري الكبير. كيف جمعت بين العناصر الفنية والتاريخية في تحقيق رسالة الفيلم؟ تمثلت العناصر التاريخية في أصالة القطع الأثرية وتفاصيلها ممتزجة مع الحكاية غير التقليدية التي تُروى على لسان الراوية أو أهل الاختصاص، وتتمثل جاذبية الفن في الموسيقى وصدى التعليق الصوتي، فضلاً عن ديكوباج الفيلم الذي يتجلى في حركة الكاميرا وزوايا التصوير وأحجام اللقطات، والتي تتنوع تبعًا لنوع المشاعر المراد تحقيقها. ومن بين أبرز هذه العناصر نجد نظرة "هاني" من زاوية منخفضة لتمثال رمسيس في البهو العظيم مع نطقه بردية أسطورية تقول: "أنا رمسيس الثاني، أنا ابن مصر العظيم، أنا ملك أعظم أمة على وجه الأرض، سأقتل وأمحو من الوجود كل من يفكر في الاعتداء على مصر أو الاقتراب منها أو إيذاء شعبها العظيم، سأذل كل أعدائي وأعداء بلدي ومملكتي، لتظل مصر الأعلى والأقوى والأغنى والأعظم على وجه الأرض". هل كانت هناك أبعاد نفسية أو فلسفية ترغب في إبرازها من خلال رحلة "هاني" واكتشافاته؟ بالطبع، تنوعت الأبعاد بين غموض أسرار توت عنخ أمون وشغف "هاني" للمعرفة والتحقق ورغبته في معرفة المزيد، وما بين الفخر والزهو بقوة ملوك مصر القديمة وعظمة آثارهم وانبهار العالم بها، وبين دوره كباحث في معرفة حقيقة الملك توت عنخ أمون ومستقبل المتحف المصري الكبير وعلاقته بالأهرامات، إحدى عجائب الدنيا السبع. فكل هذه العناصر تحمل عمقًا فلسفيًا، تأتي في مقدمته كيفية قراءة الأجيال لما سبقها، وكيف سيرى الطفل "ياسين" الذي ختم أحداث الفيلم، أنه الوحيد الذي سيشهد مستقبل هذا المتحف ويرى الحلم الذي يحتضنه، إذ أن هذا الحلم ليس فقط للمتحف بل للمنطقة المحيطة به أيضًا، حيث من المتوقع تحويلها إلى ممشى يربط بين المتحف والأهرامات دون أي فواصل، ما يبرز روعة التراث المصري ويعزز الروابط الثقافية والتاريخية بين الجيل الحالي والأجيال القادمة. كيف استخدمت الدراما التسجيلية لإبراز عمق شخصية "هاني" وتأثير اكتشاف توت عنخ أمون على حياته؟ أحب الدراما الوثائقية جداً لأنها تمنح الوثائقي حالة أكثر جذبًا وعمقًا بتعدد أدواتها بين الأداء التمثيلي والتعليق الصوتي وما بين المشاهد الدرامية واللقاءات مع الخبراء في مزيج يحتاج إلى إيقاع بصري وشاعري في نفس الوقت، ورغم قيامي بعمل 26 فيلم وثائقي حققت 19 جائزة من 7 دول مختلفة، إلا أن خصوصية هذا العمل تكمن في أن تجربتي هذه هي السابعة في مجال الدراما الوثائقية، عقب أفلام "القرار" مع النجم كريم عبد العزيز، و"جوه السكون" بطولة محمود حمدان، و"عندما تلمس الخيال" مع شريف الخيام وملك فاضل، ومن بعدهم "صورة في مراية" عن العالمي محمد صلاح، و"شاب عمره ألف عام" عن صلاح جاهين، و"بان رايت فيلم" سينما الموبايل مع مبادرة "ستاند باي"، وأخيرًا "جاري تحميل الحلم" مع هاني سمير سيف درامياً والإعلامية تغريد حسين وثائقياً. هل يسهم هذا النوع من الأفلام في تعزيز التواصل الثقافي بين الجماهير العالمية وتاريخ مصر القديم؟ بالطبع، دور السينما التسجيلية أو الروائية ليس مجرد تقديم للتاريخ، بل إنه يكمن في إلقاء الضوء على زوايا مميزة لإثارة شغف المتلقي ودفعه للمزيد من المتابعة لتلك الأعمال، ويمكن أن يحثه ذلك على الانغماس في قراءة المزيد من الكتب حول تلك القصص، ومن المثير أيضًا أن يقوم المشاهد بزيارة أماكن الأحداث نفسها، لتحقيق المتعة الكاملة ثقافيًا وفنيًا، فاللقطة المستحيلة في جوهرها تكمن في تحقيق الحلم وتحدي المستحيل. هل شعرت بمسؤولية تجاه التاريخ المصري والتراث الثقافي خلال إعدادك لهذا الفيلم؟ بالتأكيد، تحملت مسؤولية كبيرة في الكتابة والإخراج معًا تجاه كل معلومة مذكورة في الفيلم، إذ كنت أدقق فيها بشدة مع خبراء الآثار مثل الدكتور الطيب عباس ودعيسي زيدان، بمساعدة من منى طاهر المسؤولة عن العلاقات الدولية في المتحف، وتيسير كبير من اللواء عاطف مفتاح، المشرف على المتحف الكبير، وذلك كله للتأكد من دقة المعلومات والالتزام بتصوير ما هو مسموح به من المتحف، لأنه لم يتم افتتاحه رسميًا بعد، وبالتالي لا ينبغي حرق العرض المتحفي. ما هي الرسالة التي تأمل في ايصالها للجمهور من خلال هذا العمل؟ يكفيني أن يتعرف الجمهور على المعلومات المذكورة ويتأثروا بجمالية السرد، وأن يكون لديهم رغبة في زيارة المتحف ومشاهدة آثار توت عنخ آمون، والتعرف عليها من خلال العرض المتحفي الرائع الذي يعتبر تقنية مدهشة بالقرب من الدرج العظيم. هل تري أن للأعمال الفنية تأثير على المشاهدين في توسيع فهمهم للتاريخ والثقافات القديمة؟ بالتأكيد، تمنح قدرة كبيرة للتفاعل مع حكايات أسطورية حقيقية، قد يكون من السهل على المصريين مثلي زيارتها لأن منزلي قريب من المتحف، وقد تابعته منذ أن كان حجر الأساس فقط في مطلع القرن الواحد والعشرين، ولكن يبدو الأمر أصعب قليلاً بالنسبة لأولئك الذين يأتون من الدول الأخرى، ولكنهم يأتون وجميعهم مشتاقون. ولقد سعدت جداً بأن العرض الأول للفيلم كان في نيويورك عندما حاز على جائزة أفضل فيلم وثائقي في المهرجان المصري الأمريكي الأول، ثم سافر الفيلم إلى المغرب حيث حاز على جائزة أفضل إخراج سينمائي في مهرجان سوس أيت ملول بأغادير وجائزة لجنة التحكيم في مهرجاني تازة وزاكورة، وقد شاهده الناقد العراقي عدنان أحمد وكتب عنه في مقال مبهر في جريدة عراقية، كما شهدت الرحلة فوز الفيلم بشهادة تقدير من مهرجان البوابة الرقمية عنابة بالجزائر وجائزة الجمهور من مهرجان يوسف شاهين في مصر، وفي مطلع عام 2024، وحاز الفيلم على جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان كوش في السودان.
مشاركة :