عام 2000، وضع زعماء العالم، في ظل الأمم المتحدة، ثمانية أهداف إنمائية للألفية الجديدة على أن تتحقق بنهاية 2015، ترمي إلى القضاء على الفقر والجوع، وتعميم التعليم الابتدائي، والمساواة بين الجنسين، وخفض معدل وفيات الأطفال، وتحسين الصحة النفسية، ومكافحة فيروس «الأيدز»، وكفالة الاستدامة البيئية، ونسج شراكة عالمية. وحققت بلدان كثيرة معظم أهداف الألفية خصوصاً الهدف المعني بالفقر والجوع حيث انخفض عدد السكان الذين يعيشون في فقر مدقع من 1.9 بليون عام 1990 إلى 836 مليوناً في 2015. وشهدت البلدان النامية تحسناً كبيراً في مجالات الصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين. ولكن الفقر والجوع ما زالا منتشرين في البلدان الفقيرة، والبطالة منتشرة في دول متقدمة و نامية وصاعدة خصوصاً بين الشباب الذين يصبحون عرضة للاستغلال من قبل العصابات والمتطرفين. في ضوء ذلك، واستناداً إلى انجازات الأهداف الانمائية للألفية، بدأت هيئة الأمم المتحدة ومؤسسات دولية وإقليمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عام 2012، الإعداد لوضع خطة تنمية مستدامة لعام 2030، تشكل برنامج عمل لأجل الناس والأرض والازدهار، وتهدف أيضاً إلى تعزيز السلام العالمي. وتشتمل على 17 هدفاً و169 غاية. والمنشود منها كلها مواصلة مسيرة الأهداف الانمائية للألفية وإنجاز ما لم يتحقق في إطارها، وكذلك يقصد بها أعمال حقوق الانسان الواجبة للجميع وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وهي أهداف وغايات سامية ومتكاملة غير قابلة للتجزئة وتحقق التوازن بين الأبعاد الثلاثة: الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. واحتفاء بالذكرى السنوية السبعين لإنشاء هيئة الأمم المتحدة، اعتمد رؤساء الدول والحكومات والممثلون الساميون البالغ عددهم 193، خطة التنمية المستدامة لعام 2030، أثناء اجتماعهم في مقر هيئة الأمم المتحدة في نيويورك في 25 ايلول (سبتمبر) 2015، وأكدوا التزامهم «بحشد الوسائل اللازمة لتنفيذ الخطة من خلال تنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة على أساس روح من التضامن العالمي المعزز، مع التركيز بخاصة على حاجات الفئات الأشد فقراً والأكثر ضعفاً، وبمشاركة من كل البلدان وجميع اصحاب المصلحة وجميع الشعوب». وأكد الموقعون على وثيقة خطة التنمية المستدامة على «العمل بدءاً من عام 2016 حتى عام 2030، للقضاء على الفقر والجوع في كل مكان، ومكافحة أشكال عدم المساواة داخل البلدان وفي ما بينها، وبناء مجتمعات مسالمة وعادلة وشاملة للجميع، وحماية حقوق الانسان والعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وكفالة الحماية الدائمة للأرض ومواردها الطبيعية». كما أكدوا على «تهيئة الظروف المناسبة للنمو الاقتصادي المستدام والمطرد الذي يشمل الجميع، وللازدهار العميم وتوافر فرص للجميع، مع مراعاة مختلف مستويات التنمية والقدرات الوطنية». وتظهر وثيقة خطة التنمية المستدامة ان اهداف الخطة وغاياتها ستعزز العمل على مدى السنوات الـ15 المقبلة في خمسة مجالات ذات أهمية جوهرية للبشرية ولكوكب الأرض تتجسد في الناس والكوكب والازدهار والسلام والشراكة. ففي ما يتعلق بالناس أكد الموقعون على انهاء الفقر والجوع بكل أشكالهما. وبالنسبة الى كوكب الأرض أكدوا على حمايته من التدهور بطرق تستهدف الاستدامة في الاستهلاك والانتاج وإدارة موارد الكوكب الطبيعية في شكل مستدام، واتخاذ اجراءات عاجلة في شأن تغير المناخ. وفي موضوع الازدهار أكد القادة على ضرورة ان يتمتع جميع الناس بحياة يظللها الرخاء وتلبي طموحاتهم، وان يتحقق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي في انسجام مع الطبيعة. وفي ما يتعلق بالسلام، شددوا على تصميمهم تشجيع قيام مجتمعات يسودها السلام والعدل ويجد فيها الجميع متسعاً لهم، مجتمعات تخلو من الخوف ومن العنف. فلا سبيل إلى تحقيق التنمية المستدامة من دون سلام ولا إلى ارساء السلام من دون تنمية مستدامة. أما المجال الخامس، اي الشراكة، فقد أكد القادة على حشد الوسائل اللازمة لتنفيذ خطة التنمية المستدامة من خلال تنشيط الشراكة العالمية من اجل التنمية المستدامة على أساس روح من التضامن العالمي، مع التركيز بخاصة على الفئات الأشد فقراً والأكثر ضعفاً، وبمشاركة من كل البلدان وجميع أصحاب المصلحة وجميع الشعوب. ونذكر في هذا السياق أن هيئة الأمم المتحدة عقدت المؤتمر الثالث لتمويل أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 في أديس ابابا، من 13 الى 17 تموز (يوليو) 2015، وقدرت التكلفة السنوية لتحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة بنحو 3 تريليونات دولار، يتم تحصيلها من مصادر محلية من خلال توسيع قاعدة الإيرادات وتحسين تحصيل الضرائب ومحاربة التهرب الضريبي، والمساعدات الانمائية من الاقتصادات المتقدمة والمقدرة بنحو 0.7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للدولة المانحة. ونشير أيضاً الى أن مؤسسات مالية دولية، هي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد، و «البنك الآسيوي للتنمية» و «البنك الأوروبي للاستثمار»، أكدت ان الاتفاق تاريخي وان رفاه كوكبنا وسكانه يأتي في صميم الأهداف الجديدة التي ترسم الطريق نحو تحقيق مزيد من الرخاء والمساواة وستضمن نمواً اقتصادياً أكثر متانة واستدامة. كما أعلنت تلك المؤسسات عن خطط لزيادة حجم التمويل والدعم المقدمين للبلدان الساعية إلى تحقيق أهداف التنمية. وجاء الاتفاق على خطة التنمية المستدامة لعام 2030 من قبل 193 بلداً من بينهم البلدان العربية التي يواجه بعضها حروباً وهجمات ارهابية أدت وتؤدي إلى تدمير الموارد الطبيعية والانشائية وتشريد المواطنين. والأمل كبير في أن يعود السلام إلى منطقتنا العربية لتبدأ العمل بإنجاز خطتها الانمائية المستدامة لعام 2030. كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية.
مشاركة :