العالم العربي والإسلامي يمر بظروف وتحديات كثيرة تحتم على واضعي المناهج والقائمين على التعليم ومديري الجامعات القيام بدور أكبر لتغيير ثقافة المجتمع إلى المزيد من التسامح وقبول الآخر أحسنت جامعة حائل بإقامة أول لقاء يجمع القائمين على الكراسي العلمية في الجامعات السعودية والتي تهتم بالأمن الفكري والعناية بالشباب، إضافة إلى دعوة بعض المسؤولين من وزارة الداخلية وبعض المهتمين بهذا الشأن. ومثل هذا اللقاء مهم لتوحيد الجهود بين الكراسي العلمية المتشابهة والتي تركز على ظاهرة الإرهاب وأسبابها وسبل مكافحتها من منطلق علمي، وتوزيع الأدوار بين الكراسي العلمية؛ بحيث يركز كل كرسي على محور محدد فيطرقه من جميع أوجهه، فلا يترك باباً إلا وطرقه، ولا سبباً محتملاً إلا ودرسه من جميع جوانبه، وهذا من أهم شروط البحث العلمي المحايد الذي يبنى على فرضيات أقرب ما تكون للواقع، وهذا يحتم ضرورة عدم الحكم المسبق على النتائج والأسباب، ويتطلب أمانة علمية وحياداً ضرورياً للأبحاث العلمية وخصوصاً في العلوم الإنسانية التي قد يكون للباحث آراء مسبقة قد تحجب بعض الحقائق ومعرفة الأسباب، وقد لمست ذلك من خلال النقاش بين الحاضرين، حيث لم يتم التركيز على العوامل الداخلية المسببة للغلو كالمناهج والتراث والأحوال الاجتماعية إلا إشارات عابرة من الحاضرين من غير القائمين على الكراسي العلمية، ومن السهولة أن تسمع من التربويين من ينبري مدافعاً عن التعليم دون دليل علمي فيقول: لو كان التعليم هو السبب لكنت أنا وأنت من تلك الفئة، مع أن هذا بعيد كل البعد عن البحث العلمي الرصين. من السهولة أن نلقي باللوم على الجهات الخارجية لما يحصل من إرهاب، وهي بلا شك ليست بريئة مما يحدث وخصوصاً العدو الإسرائيلي، لكن السؤال المهم: لماذا ينخرط شباب المسلمين دون غيرهم في الأعمال الإرهابية التي تقودها داعش والقاعدة وبوكو حرام ومنظمة الشباب الصومالي وغيرها؟ هل في مناهجنا وتراثنا ما قد يكون سلاحاً في يد تلك المنظمات لإيغار صدور الشباب وتجنيدهم ضد المجتمع وضد الآخر؟ إن من يقرأ بعض ما كتب في باب الولاء والبراء في عصور مختلفة يجد فيه من الإقصاء والتكفير ما يوغر صدور الشباب ضد الآخر المختلف، مع أن البديل موجود في نفس التراث الذي يزخر بالكثير من الشواهد والدلائل على ثقافة التسامح والتعاون والدفاع عن الآخر ما لم يكن معتدياً على المسلمين. تراثنا ككل تراث كتبه علماء مجتهدون حسب ثقافتهم وما عاشوه، فلو أخذنا عالما واحدا مثل ابن تيمية الذي نسبوا له الكثير من التشدد، نراه يكتب إلى ملك التتار ليفتدي أسرى بيت المقدس عنده، وقد استجاب ملك التتار لطلبه إلا أنه استثنى اليهود والنصارى وقال: إنهم لا يدخلون في الاتفاق، حينها رفض ابن تيمية هذا العرض وطالبه بإطلاق جميع الأسرى وكتب له يقول: «بل جميع من معك من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا فإنا نفتديهم ولا ندع أسيراً من أهل الملة أو الذمة» فأطلق ملك التتار الجميع، (المرجع عائض بن سعيد الدوسري في كتابه ابن تيمية والآخر). العالم العربي والإسلامي يمر بظروف وتحديات كثيرة تحتم على واضعي المناهج والقائمين على التعليم ومديري الجامعات القيام بدور أكبر لتغيير ثقافة المجتمع إلى المزيد من التسامح وقبول الآخر، وهذا سينعكس إيجاباً على علاقة المسلمين بغيرهم وحماية الأقليات المسلمة في الدول الأخرى، التعليم بكل مراحله هو المعول عليه لحماية الشباب من أخطار التطرف والغلو، وهذا يحتم القيام بالادوار الآتية: أولاً- البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية بحاجة إلى حرّية الطرح وتعدد تخصصات الباحثين ومنها تخصص العلوم الاجتماعية والتربوية والنفسية، فلا يكفي أن يركز على تخصص واحد كالعلوم الشرعية، كما أن الجهات المعنية مثل وزارة الداخلية عليها دور في توفير المعلومات المهمة والمستقاة من المقبوض عليهم ومن جلسات المناصحة لمعرفة أسباب انحرافهم حتى تكون مرجعاً وسنداً للباحثين وتعطي مصداقية للنتائج، كما أن وزارة التعليم ووزارة الشؤون الإسلامية من أهم المستفيدين من تلك البحوث لوضعها موضع التنفيذ وإلا بقيت دراسات تنتهي بانتهاء الدعم لتلك الكراسي. ثانياً- الجامعات من أهم وسائل إعداد الشباب وهي القاطرة التي تقود بقية القطاعات، فلا تحول اقتصاديا وعلميا واجتماعيا إلا بجهود الجامعات التي تحوي أهم مقدرات الوطن من أساتذة وباحثين وطلبة، وهي المنارات للتنوير والتسامح والإبداع وتأصيل قيم النزاهة والإتقان واتخاذ البحث العلمي أسلوباً علمياً لدراسة التحديات التي يواجهها الوطن، وتوجيه رسائل الماجستير والدكتوراة إلى ما يواجه المجتمع من تحديات بدل أن تكون لأغراض الترقية فقط، ثالثاً- المدارس والجامعات هي الحاضنة لأهم الأنشطة العلمية والاجتماعية والرياضية والثقافية الهادفة، وعلى مسارحها يمكن معالجة الكثير من مشكلات المجتمع بأسلوب يناسب الطلبة، ويبرز مواهبهم، كما أن الأنشطة الرياضية والكشفية وسيلة مفيدة لملء أوقات الفراغ بما يفيد خصوصاً حين يشترك مديرو المدارس والجامعات والأساتذة في الأنشطة بعيداً عن قاعة الدرس والمحاضرات، كما أن للوزارات الأخرى والقطاع الخاص دورا في توظيف طلبة الجامعة لمن يستطيع العمل أثناء الدراسة، وإيجاد الفرص لهم بعد التخرج للمساهمة في القضاء على البطالة. الأبحاث العلمية والكراسي يجب أن تركز على العوامل المؤدية إلى الغلو بين الشباب مع التركيز على وسائل علاجها كتصحيح المناهج وتعزيزها بالمزيد من قصص التسامح وقبول الآخر وممارسة الحوار، والأخذ بما يتناسب وهذا العصر دون المساس بالثوابت وعلى هدي من القرآن الكريم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. abdullah.sadoun@gmail.com
مشاركة :