يخرج المواطن الفلسطيني الثلاثيني محمد حسنة يوميا للتجوال في الأحياء ونبش حاويات القمامة في منطقة زعرب في رفح جنوب قطاع غزة، لجمع ما يمكن من الورق والكرتون الفارغ والعلب البلاستيكية والخشب لكي يتمكن من طهي طعام لأطفاله الخمسة. وقال حسنة (38 سنة) لوكالة أنباء ((شينخوا)) بينما كان ينبش بيديه أكوام القمامة إنه لا يقوى على تحمل نفقات شراء غاز الطهي الذي أصبح شحيحا ويباع بأسعار مرتفعة، مما يضطره وآخرين للبحث عن بدائل لطهي وإعداد الطعام. ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية في القطاع الساحلي المحاصر في السابع من أكتوبر الماضي، يضطر السكان في غزة لاستخدام الحطب والفحم وركام المنازل المدمرة وبقايا البلاستيك، لإشعال النار لطهي الطعام. وأضاف حسنة أن إشعال النار بهذه الوسائل ينتج عنه انبعاث الدخان والغازات السامة. وتابع الرجل أنه أصبح يعاني من أمراض في جهازه التنفسي إلا أن ذلك لا يمنعه من الخروج للبحث عن وسائل بدائية في كل مكان ليتمكن من إشعال النار لطهي الطعام لأفراد أسرته. وأشار حسنة إلى أن غاز الطهي في حال توفر في السوق السوداء تكلفته تكون عالية جدا ولا يقوى على شرائه. ووصل سعر أسطوانة الغاز التي تزن 12 كيلوجراما نحو 100 دولار أمريكي بينما كان سعرها قبل الحرب الإسرائيلية لا يتجاوز 20 دولارا، بحسب حسنة. وأوقفت إسرائيل منذ أكتوبر الماضي، إمدادات الكهرباء والوقود وغاز الطهي إلى القطاع في أعقاب شن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هجوما غير مسبوق على إسرائيل التي ردت بعملية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة، مما خلق أزمة حادة في العديد من جوانب الحياة. وتواجه سميرة الحاج (53 عاما) النازحة من مدينة غزة إلى رفح تحديات كبيرة أثناء خروجها منذ ساعات الصباح الباكر بحثا عن الورق وبقايا ركام المنازل المدمرة. وتقطع سميرة مسافات طويلة يوميا مشيا على الأقدام بحثا عن المواد القابلة للاشتعال لطهي الطعام لأبنائها السبعة الذين يعيشون في خيمة إيواء في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وقالت السيدة الفلسطينية بينما كانت تحلق في سماء المنطقة طائرات مسيرة على ارتفاع منخفض "أخرج صباح كل يوم لجمع الورق والبلاستيك، لطهي الطعام لأولادي في ظل عدم توفر غاز الطهي". وأضافت سميرة بينما كانت تضع على رأسها مجموعة من العصى والورق، أن إعداد الطعام ليس سهلا، فهو يتطلب جهدا كبيرا في ظل عدم توفر غاز الطهي. وأكدت وزارة الصحة في غزة في بيان تسجيل ارتفاع في عدد حالات المصابين بأمراض الجهاز التنفسي داخل مستشفياتها العاملة في القطاع نتيجة إشعالهم النيران لإعداد الطعام بسبب تفاقم أزمة غاز الطهي في القطاع. وقال الدكتور مروان الهمص المسؤول في مستشفى أبو يوسف النجار في اتصال مع ((شينخوا)) إن أعداد النازحين الذين أصيبوا بأمراض تنفسية في تزايد مستمر، مشيرا إلى أن الأسباب الرئيسية لذلك هي إشعال النيران بدلا من غاز الطهي. وسجل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إصابة "المئات" بأمراض الجهاز التنفسي بفعل استخدام "مواد بلاستيكية وكيماوية لإشعال النيران التي تنبعث منها غازات سامة". وقال رئيس المكتب سلامة معروف في بيان إن السلطات الإسرائيلية تواصل منذ أكتوبر الماضي منع إدخال غاز الطهي والوقود بمختلف أنواعه إلى قطاع غزة، وخاصة لمحافظتي غزة وشمال القطاع، ما تسبب بتفاقم الأزمة "الإنسانية والصحية في ظل العدوان المستمر". وحذر معروف من أن الأمر ينذر بـ"ازدياد خطورة هذه الأزمة وإصابة المواطنين بسرطان الرئة والجهاز التنفسي، جراء الغازات السامة المنبعثة من استخدام هذه الوسائل"، مطالبا المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل من أجل السماح بإدخال غاز الطهي إلى القطاع. وتشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي حربا ضد حركة حماس أودت بحياة أكثر من 34 ألف فلسطيني في القطاع وخلفت دمارا واسعا وأزمة إنسانية، وذلك بعد أن شنت حماس هجوما مباغتا على عدد من القواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية المتاخمة للحدود مع القطاع أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي. وجراء ذلك يعيش القطاع الساحلي المحاصر الذي يقطنه نحو 2.35 مليون نسمة ظروفا إنسانية صعبة، في ظل تحذيرات دولية وأممية وعربية من حدوث مجاعة.
مشاركة :