للكتابة صوت، ولها أحيانا سوط يلهب في داخلنا لتجدنا نلبي النداء، وللقلم احيانا صوت كصهيل الجياد، وله في أيام اخرى ربيع، يزدهر بورد وفراشات ملونة. للكتابة صوت يصرخ بنا وينادي هيا الى الكتابة، وكما قال الأستاذ محمد علوان في إحدى رواياته (تهرشني الكتابة). بين الهرش وتلك الحساسية المؤلمة التي تهيج بالكاتب ليمارس هذا الطقس شبه اليومي. أتذكر القاص العراقي عبدالرحمن الربيعي قال لي: الكتابة عمل يومي نمارسها فتتلبسنا، وعلينا أن نتفرغ لها مثلما نتفرغ لأي عمل. وهذا ايضا ما يفعله أغلب الكتاب والكاتبات. فعلا الكتابة عمل وعمل ليس ككل الأعمال وهي العمل الذي نجده في كل شيء أمامنا وخلفنا، ولولاها لما عرفنا أجيالا مضت وسحقها الزمن وبقية حروفها بين أيدينا. وقد تتدفق علينا الأفكار وكأننا في حقل لاندري أي شيء نقطف. وهذا لا يمكن أن يأتي من فراغ إنما مما نجده مخزوناً في داخلنا تخرجه حركة أو نظرة لشيء ما فيتدفق كينبوع، وقد يهرب أحيانا فنطارده. الكتابة هي صوت في داخلنا يصرخ بنا للذهاب لها كذهاب العاشق لمعشوقته. وما بين الصوت وآخر مسافات، تقطعها الكلمة بلحظات، وقد تكون أداة ضغط بيد صاحبها، ولكنها ربما توصل به لمتاهات والعياذ بالله. بكل تأكيد الكتابة تختلف، فالأدبية تختلف عن كتابة الصحافة، كما يختلف المحرر الصحافي عن الصحافي الميداني، وكثيرا ما يكون في ذهن البعض ما يشبه التداخل بين هذه الوظائف. قبل أيام عقد في الدمام لقاء ملتقى الكتاب السعوديين، في نسخته الثانية، وكان به تكريم الكاتب عبدالرحمن بن عقيل الظاهري. للأسف لم أحضره لظروفي الخاصة، المهم الأحباب لم يقصروا وجلبوا لي الأوراق، وشكر خاص للصديقة د.مريم بو بشيت. ولأن مقالي اليوم عن الكتابة تناولت ورقة القاصة د. زكية العتيبي. الورقة مكتوبة بناء على شبه استفتاء عملته لتصنيف المثقفين، بين الاستفتاء الفرق ما بين الكاتب والمثقف، وبين الصحفي الذي يلاحق الأحداث التي حصرتها هنا بالثقافة في ردود الكُتاب على أسئلته. ليس كل مثقف كاتبا، ولكن يفترض في كل كاتب أن يكون مثقفا، وعلى الأقل مدركا لما يدور من ثقافات حول العالم في مجالات مختلفة وعامة، ومميزا بين ثقافات الشعوب خاصة القريبة منه، ولابد أن يكون على اطلاع بجزئية أساسية منها تلك التي تهتم باختصاصه الأدبي أو الكتابي، فلا يعقل مثلا أن يكون كاتبا في مجال الآثار والمخطوطات ولا يعرف شيئا عن آثار بلاده والكتابات المنقوشة عليها وعن اللغات القديمة التي كتبت فيها. ومن غير المقبول أن يكون هناك ناقد أدبي للشعر لا يطلع ويعرف مدارس النقد الأدبي وتنوعها أو يخطئ في قصيدة جاهلية ومن قائلها. ولا ناقد أو كاتب روائي ولا يعرف فطاحلة الرواية العربية، سواء أكان القدامى منهم أم المخضرمين أو الحديثين. الإمتاع بالكتابة أنها تفتح آفاقا بعيدة وقريبة، وتجعل الكاتب والناقد تحت مجهر المتلقي دائما. هي الكتابة تلك التي تبعث الصوت عاليا أحيانا، وخافتا أحيانا أخرى، قد تدور وتدور وتكبر وقد تمر ولا يحس بها أحد.. shalshamlan@hotmail.com
مشاركة :