تساقط لؤلؤ العراق، لؤلؤة وراء أخرى، كانت وفاة الجواهري جرحاً في قلب العراق وكانت جروح العراق كثيرة، تساقط قبل ذلك السياب والبريكان وهكذا فقد العراق تلك الأصوات الجميلة التي تغرد فتملأ حياتنا شعراً، والعراق منبع الحضارات يتراجع بفعل الفوضى الخلاقة التي أرادها الأميركان. أكبر لؤلؤة سقطت، ذاك عبدالرزاق عبدالواحد لؤلؤة، الرجل الذي عاش على حب العراق ومات على حبه لم يغير مبادئه كما يغير ملابسه، عاش وفياً للعراق ومات يرسل روحه لتمسح العراق كلها وتبتهل له. ولد في بغداد عام 1930، في الخامسة عشرة ظهرت أول قصيدة له، وأول مجموعة شعرية ظهرت له وهو في العشرين. وعندما غادرنا كانت المكتبة العربية تحوي له 56 مؤلفاً. ومن هذه عشر مجموعات للعراق. عندما يقرأ شعره لا ندري هل هؤلاء الذين حضروا وصفقوا وانفعلوا هل هم يصفقون كلهم للؤلؤة العراق أم للعراق ممثلاً بالشاعر عبد الرزاق عبدالواحد لؤلؤة. حصل على العديد من الأوسمة الكبيرة لكنه كان يفوق كل الأوسمة كوسام بوشكين للشعر العالمي وميدالية القصيدة الذهبية في مهرجان ستروكا العالمي ووسام الآس ودرع دمشق للشعر. ترجمت قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية واليوغسلافية والفنلندية، من أشهر أعماله بعد الاحتلال الأميركي للعراق (اسكلوبيديا، الحب، وقمر في شواطئ العمارة، وفي مواسم التعب، و120 قصيدة حب، وديوان القصائد). قدمه السياب لجماعة الرواد في شعر التفعيلة كان طالباً حديثاً في كلية المعلمين العالية، ومعه آنذاك سعدي يوسف ومحمد النقدي وموسى النقدي وراضي مهدي السعيد، بعد ذلك يوسف الصائغ وشعراء آخرون. هكذا انصهر شاعرنا الراحل عبدالرزاق عبدالواحد لؤلؤة في هذا الجو الجميل مضافاً له كونه من أسرة شاعرة وكون العراق يثب وثبات كبيرة منها الكفاح ضد معاهدة بورتسموث التي أسقطتها الجماهير العراقية ومنها أيضا الصراع القوي لحقوق المرأة؛ دراسة ونظاماً وسفوراً وتحجباً. كل تلك وغيرها كان يعيشها الشعب العراقي والتي وردت في مقابلات صحفية ومتلفزة مع الشاعر الراحل قال عن شعر التفعيلة: وإن قصيدة التفعيلة مبنية بناء محكماً إذا حدث أي خلل موسيقي في إيقاعها تنهار القصيدة جميعها ليس مثل القصيدة التقليدية ممكن أن تحشو بها ما تحشو وهي باقية على نفس الوزن، هناك تجارب كبيرة مهمة مثل قصيدة (أغنية قديمة) للسياب، الموسيقى لعبت الدور الأكبر في تحقيق ذروة الشعر فيها، وفكرة القصيدة أن السياب كان في مقهى قديم، يستمع إلى أغنية لسليمة طاشة مغنية (عراقية كبيرة)، السياب خطر له هذا الخاطر، الأسطوانة تدور في الحاكي وهو يسمع تذكر أن سليمة طاشة أحبت وغنت حبها ولحبها. مطلع قصيدة قديمة لبدر السياب: في المقهى المزدحم النائي ذات مساء وعيوني تنظر في تعب، في الأوجه والأيدي والأرجل والخشب: والساعة تهزأ بالصخب وتدق- سمعت ظلال غناء أشباح غناء تتنهد في الحاني، وتدور كإعصار الحديث عن فقيد الشعر العربي سيطول ولن يكفيه مقال وعمود، فحياته مليئة وكبيرة مشرقة في إيمانه بوطنه وبثباته على مبادئه لم يحد عنها. فسلام له ميتاً؛ سلام لأنه لم يذق السلام في حياته، سلام له لوفائه للعراق.. فمات ونشر روحه على كل العراق. إلى مقال آخر عن عبدالرزاق عبدالواحد لؤلؤة الشاعر الكبير وخاصة قصيدته صبر أيوب.
مشاركة :