أعلن في نيسان/ أبريل 2016، عن مسعى أممي لتحريك جهود تسوية الأزمة السورية، في إطار مؤتمر "جنيف – "3، الذي انطلق في الأصل في 29 كانون الثاني/ يناير الماضي. اليوم، لا تبدو فكرة إرسال مراقبين غير مسلحين مهمة واقعية، وذلك لتعدد جهات الاشتباك، وعدم اعتراف بعض هذه الجهات بأية قرارات دولية. وعلى صعيد فكرة إرسال قوات حفظ سلام، يُمكن ملاحظة أن هذا الخيار لا يتحقق في ظروف القتال الفعلي، بل هو يأتي بعد وقف إطلاق النار، أو في الحد الأدنى توقف الأعمال الحربية وكان قد عقد في 22 كانون الأول/ يناير 2014، مؤتمر "جنيف-2"، الذي حضره لأول مرة ممثلون عن كل من المعارضة والحكومة السورية. لم ينجح مؤتمر جنيف الثاني في الوصول إلى أهدافه المعلنة، بسبب تباين الأولويات والتفسيرات، وغياب أية مرجعية لها القول الفصل. هذه النتيجة، يخشى أن تتكرر الآن في "جنيف-3"، للأسباب ذاتها، على الرغم من إننا بصدد رعاية دولية أوسع نطاقاً من أي وقت مضى. كانت الخلفيات الأولى للعملية السياسية الراهنة قد تجسدت في الاتفاق الأميركي - الروسي، الذي أعلن في السابع من أيار/ مايو 2013، ونص على عقد مؤتمر دولي لإنهاء الحرب و"منع تفكك سورية". وقد أعلن هذا الاتفاق كل من وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، بعد محادثات في موسكو. جاء التطوّر اللاحق، الأكثر تأثيراً، في 14 أيلول/ سبتمبر 2013، عندما أعلن الأميركيون والروس عن التوصل لاتفاق يقضي بتدمير الترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية، وإطلاق عملية سياسية. حينها أعلن بأن هذا الاتفاق من شأنه الإسراع بعقد المؤتمر الدولي حول سورية، الذي جرت الإشارة إليه في البيان الروسي - الأميركي في أيار/ مايو من العام ذاته. وارتكازاً للاتفاق الأميركي - الروسي، أصدر مجلس الأمن الدولي، في 27 أيلول/ سبتمبر 2013، قراره الرقم (2118)، الذي دعا للتخلص من الأسلحة الكيميائية السورية. لقد كانت تلك بداية المسار الجديد. أو لنقل المسار الدبلوماسي، الذي ما زال متواصلاً. بعد نحو عام على مؤتمر "جنيف – 2"، وتحديداً في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الرقم (2254)، الذي يعتبر أول قرار أممي يعرض خارطة طريق مبدئية للتسوية السياسية للأزمة السورية. لقد أكد هذا القرار التزامه بوحدة سورية وسيادتها، واستمرارية مؤسساتها، ودعا إلى تسوية سياسية وفقاً لبيان جنيف لعام 2012، وبياني فيينا. والمقصود ببياني فيينا كل من البيان المشترك الصادر عن المحادثات المتعددة الأطراف بشأن سورية، التي عقدت في العاصمة النمساوية بتاريخ 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2015. وبيان الفريق الدولي لدعم سورية، المؤرخ في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. وفي 22 كانون الأول/ ديسمبر، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار الرقم (2258)، الذي أكد على القرار (2254)، وطالب باحترام القانون الدولي الإنساني. وأشار إلى أن الوضع الإنساني للسوريين سيستمر في التدهور ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة. وبالعودة إلى القرار (2254)، فقد دعت المادة الأولى منه إلى تنفيذ بيان جنيف والارتكاز إليه "كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية، وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها من أجل إنهاء النزاع في سوري/". وأكدت المادة الثالثة على "دور الفريق الدولي باعتباره المنبر الرئيسي لتسيير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة". المادة الرابعة من القرار، أكدت دعمها "لعملية سورية، تسيرها الأمم المتحدة"، يجري في إطارها تشكيل "حكومة انتقالية"، ودستور جديد، وانتخابات حرة. وسلمت المادة الخامسة من القرار بالصلة بين وقف إطلاق النار وانطلاق العملية السياسية. وذلك وفقاً لمنطوق بيان جنيف لعام 2012. وكان بيان جنيف، الذي ارتكز إليه قرار مجلس الأمن الدولي، قد أشار في بنده الرابع إلى أن مجموعة العمل الدولية قد اتفقت على "مبادئ وخطوط توجيهية للقيام بعملية انتقالية سياسية، تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري". وحدد البند الخامس من بيان جنيف معالم العملية الانتقالية على النحو التالي: (أ) تتيح منظوراً مستقبلياً يُمكن أن يتشاطره الجميع في سورية. (ب) تُحدد خطوات واضحة وفق جدول زمني مؤكد نحو تحقيق ذلك المنظور. (ج) يُمكن أن تنفذ في جو يكفل السلامة للجميع ويتسم بالاستقرار والهدوء. (د) يمكن بلوغها بسرعة، دون مزيد من إراقة الدماء، وتكون ذات مصداقية. أما خطوات إنجاز العملية الانتقالية، فقد جرى تحديدها، على النحو التالي: أ- إقامة هيئة حكم انتقالية، يُمكنها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية السياسية، وأن تمارس كامل السلطات التنفيذية. ويمكن لهذه الهيئة أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة، ومن المجموعات الأخرى. ويجب أن تُشكل على أساس الموافقة المتبادلة. ب- الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد. ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته من المشاركة في الحوار الوطني. ج- يُمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية السائدة حالياً. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء الشعبي العام. د- بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات، حرة ونزيهة وتعددية، لشغل المؤسسات والهيئات التي جرى تأسيسها. هذه البنود قد اعتمدت عملياً في القرارات التالية ذات الصلة، بما فيها القرار (2254)، الذي اقترح بعض الآليات والأطر الزمنية المحددة. وعلى الرغم من ذلك، فالقضية الأساسية مازالت تدور حول تفسير النصوص، أو آلية وشروط تطبيقها. وفيما يُمكن اعتباره تطوّراً تاريخياً في دور مجلس الأمن الدولي في الأزمة، أصدر المجلس، في 26 شباط/ فبراير 2016، قراره الرقم (2268)، الذي دعم اتفاق "وقف الأعمال العدائية" في سورية، وحث كافة الأطراف على الالتزام به. هذا الاتفاق كان قد جرى اعتماده في الحادي عشر من الشهر ذاته في ميونخ، من قبل المجموعة الدولية لدعم سورية (ISSG)، ورضت به كل من الحكومة السورية والمعارضة أو الكثير منها. واستثنى عدداً من الجماعات. ولاحقاً، أقامت الولايات المتحدة وروسيا، اللتان تترأسان فريق العمل لتقييم وقف إطلاق النار، مراكز عمليات في موسكو وواشنطن واللاذقية وعمّان، إلى جانب مركز عمليات للأمم المتحدة في جنيف. وكان مجلس الأمن الدولي قد سعى في العام 2012 لتثبيت وقفٍ لإطلاق النار، وأذن لفريق قوامه ثلاثون مراقباً عسكرياً غير مسلح بالاتصال مع الأطراف السورية المختلفة، والبدء في الإبلاغ عن تنفيذ وقف كامل للعنف. ويومها، تم الإعلان عن وقف الأعمال القتالية، في نيسان/ أبريل من العام 2012، وبدأ تنفيذه في جميع أنحاء البلاد في الثاني عشر من الشهر ذاته، وفي نيسان/ أبريل من ذات العام، اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار الرقم ()، الذي أنشأ بموجبه بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سورية لفترة أولية مدتها تسعون يوماً، وبدأت البعثة مهامها، لكنها قررت تعليق أنشطتها في حزيران/ يونيو من العام ذاته، قبل أن توقف عملها نهائيا بحلول آب/ أغسطس. هذه البعثة كان من الممكن أن تنهض بكامل الدور الذي أتت من أجله، وكان يُمكن أن يُبنى على نجاحها مسار سياسي ناجح. ولكن لماذا فشل المسعى الأممي يومذاك؟ الجواب بسيط: غياب الثقة المتبادلة. وتعاظم الضغوط على الأطراف المحلية والمراقبين الدوليين. اليوم، لا تبدو فكرة إرسال مراقبين غير مسلحين مهمة واقعية، وذلك لتعدد جهات الاشتباك، وعدم اعتراف بعض هذه الجهات بأية قرارات دولية. وعلى صعيد فكرة إرسال قوات حفظ سلام، يُمكن ملاحظة أن هذا الخيار لا يتحقق في ظروف القتال الفعلي، بل هو يأتي بعد وقف إطلاق النار، أو في الحد الأدنى توقف الأعمال الحربية. وهذه درجة أدنى من الحالة الأولى، بالمفهومين القانوني والعملياتي. والحقيقة، ان الوضع السوري يُعد معقداً في المقاربات القانونية، بموازاة تعقده الأمني والسياسي. وهناك تعريفات متباينة للحالة الراهنة. تستخدم بعض الأدبيات مصطلح "الحرب الأهلية"، إلا أن هذا المصطلح غير دقيق وغير واقعي. كما أنه لا يحمل قيمة قانونية بحد ذاته. ولم يرد مصطلح "الحرب الأهلية" في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف، بل تمت الإشارة إلى "نزاع مسلّح ليس له طابع دولي". ولم تقدم هذه المادة تعريفاً كاملاً للنزاع المسلح غير الدولي. بيد أن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة عرّفت هذا النزاع على أنه "أعمال عنف مسلّح طويل، بين سلطات حكومية وجماعات مسلحة منظمة، أو بين هذه الجماعات ضمن دولة ما". وعلى الرغم من ذلك، فإن التمسك الشكلي بمصطلح "النزاع المسلّح غير الدولي"، ظل ممكناً، وبالمقدور اعتماده من قبل الهيئات الدولية المختلفة بالنسبة للوضع الراهن في سورية، رغم كل الإشكالات المثارة حوله. وما يُمكن قوله ختاماً، هو أن طيفا من التحديات يفرض نفسه على مسار التسوية السياسية، ويهدد بالإطاحة بها. إلا أن هذه التحديات يجب ألا تكون سبباً للجمود بل لمزيد من الجهود. إن التسوية السياسية تبقى خياراً لا مفر منه بالنسبة لكل السوريين، مهما طال بهم أمد النزاع والصراع. وإذا كنا بصدد مقاربة، ترتكز إلى بيان جنيف أو سواه، فيجب أن يكون ذلك نابعاً من إيمان حقيقي بأن الخيار السياسي هو الخيار المنطقي لحل الأزمة. والمطلوب دائماً التأكيد على كل ما هو إيجابي وداعم لفرص التسوية، التي تعيد الأمن والاستقرار وتعززه. abduljaleel.almarhoon@gmail.com
مشاركة :