مونية المنصور تُقَارِب الأخلاق في 'التلفزيون المغربي وصناعة القيم'

  • 5/12/2024
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الرباط - تم توقيع كتاب "التلفزيون المغربي وصناعة القيم" للدكتورة المغربية مونية المنصور يوم الأحد 12 أيار/ ماي 2024 بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط. وفي هذا السياق قامت "ميدل إيست أونلاين" بحوار مع الكاتبة المغربية د مونية المنصور حول كواليس مقاربة التلفزيون المغربي و صناعة القيم، وفيما يلي نص الحوار: ما الذي دفعك لتأليف كتاب يتناول العلاقة بين التلفزيون وصناعة القيم في المجتمع المغربي؟ لا أخفيك سرا أن الدافع الذاتي كان حاضرا جدا  في خوض غمار البحث في هذا الموضوع، وهو كوني صحفية مهنية لما يقرب عقدين من الزمن، بحكم  اشتغالي في التلفزيون المغربي كصحافية معدة ومقدمة مضامين إعلامية، وتحديدا داخل قناة عمومية موضوعاتية هي القناة الثقافية، فرأيت أن من مسؤوليتي كممارسة مهنية، هي البحث والدراسة في موضوع يسائل اليوم أكثر ممّا مضى وظائف الإعلام العمومي بصفة عامة  ومن ضمنه  أدوار التلفزيون ليس في المغرب فحسب، بل في العالم ككل، كما يسائل مسؤوليته الاجتماعية في الحرص على تعزيز القيم والنهوض بها، لا سيما أن العديد من الدراسات لازالت تتحدث حتى اليوم عن دور التلفزيون في إحداث التغيير كما يمكن أن يساهم في دعم وتكريس سلوكات وقيم واتجاهات جديدة. كيف ترين تأثير التحولات الرقمية الجديدة على التلفزيون؟ لقد أثرت التحولات الرقمية على مجموعة من مناحي الحياة في كل أبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وقد طال هذا التأثير وسائل الإعلام وضمنه التلفزيون، إذ أفرزت لنا هذه التحولات الرقمية مضامينا ومحتويات إعلامية بأنساق ومعايير جديدة لا تضع أمامها هاجس الخدمة العمومية ولا التنشئة الاجتماعية التي من المفروض أن يسم وسائل الإعلام بمختلف أشكالها.    صحيح أنها مضامين تنافس التلفزيون هو موضوع هذه الدراسة لأنها مضامين سريعة ومثيرة في الغالب، ولا تخضع لرقابة الخط التحريري ولا تأخذ وقتا  للتداول في هيئات التحرير وتجعل من المواطن العادي مصدرا للخبر بل سباقا إليه، وغالبا تنبني على التشويق والغرائبية لحصد عدد أكبر من النقرات والمتابعات ولوعلى حساب مصداقية الخبر. ما هي النقاط الرئيسية التي ناقشتيها في كتابك بخصوص التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تؤثر على صناعة القيم عبر التلفزيون؟ هي تحولات متداخلة مست اليومي فينا  كما مست الانساني فينا وغيرت بنيات ومؤسسات خلناها الى وقت قريب تابثة، فغيرت هيكلتها وبعثرت الأدوار فيها كالأسرة، هذا الوسيط الاجتماعي الأول والأهم الذي طالته مجموعة من التحولات على مستوى الشكل والجوهر، ذات الأمر بالنسبة للمؤسسة الإعلامية التي وجدت نفسها ملزمة بتغيير أنساقها لمواكبة التحولات الرقمية، وتعد إشكالية القيم في قلب هذه التحولات لأن القيم يطرأ عنها تغييرات وقد تموت إذا لم تحصن وتعزز داخل وسائط التنشئة الاجتماعية. وعودة لسؤالك، فالكتاب يعالج موضوع القيم في علاقته بالأسرة كأول حضن وفي علاقة بالاعلام كمعزز لمنظومة القيم. كيف يمكن للتلفزيون، بالرغم من تحولات العصر الرقمي، أن يظل ذا أثر إيجابي على تشكيل القيم في المجتمع؟  هذا هو السؤال الإشكالي الذي يبدو رغم بساطته شائكًا جدًا، والذي انطلقتُ منه شخصيًا في بناء دفوعاتي في هذا الكتاب، عن دور التلفزيون العمومي في ظل كل هذه التحديات المطروحة، في أن يظل ملتزمًا بمسؤوليته الاجتماعية في تقديم خدمة عمومية تنبني على تعزيز النسق القيمي للمجتمع عبر مختلف مضامينه الإعلامية، وسط بيئة رقمية مبنية على منطق استهلاكي لا يدخل في الحسبان أساسًا القيم أو الأخلاق، ما يجعل من مهمة التلفزيون مهمة صعبة وشبه مستحيلة في تحقيق المنافسة للحفاظ على الجمهور وجذبه إليه، وعدم إغفال وظائفه التربوية والتثقيفية المؤطرة للمواطن. هل تعتقدين أن هناك توازن ممكن بين متطلبات السوق الرقمية وبين محتوى التلفزيون الذي يعتمد على ترسيخ القيم والتربية؟ تكاد المعادلة تكون مختلة مرة أخرى بين هذين الأمرين، لأن السوق الرقمية مبنية على منطق آخر، يتسم أساسًا بتلبية متطلبات المتصفح لها ولو كانت على حساب الحميمية أو الحياة الخاصة أو القيم، همها حصد أكبر عدد من اللايكات، في حين أن التلفزيون مبني أساسًا على تقديم خدمة عمومية ذات مرجعية أساسية، وهي احترام أخلاقيات المهنة التي تمنع هذه السلوكات، علمًا أن نجاح التلفزيون هو رهين أيضًا بعدد جمهوره  وبمنطق تجاري مرتكز على الإشهار الذي يضمن حياة التلفزيون وديمومته، وبالرغم من ذلك فمن واجب التلفزيون، وربما اليوم أكثر مما مضى، القيام بدوره في تأطير القيم والاتجاهات والسلوكات التي باتت منفلتة في هذا العالم السائل كما سماه البولندي زيكمونت باومان. كيف يمكن للتلفزيون المغربي، وللتلفزيون بشكل عام، أن يتفاعل مع التغيرات السريعة في العصر الرقمي وفي نفس الوقت يبقى محافظاً على دوره في تعزيز القيم وتربية الجمهور؟ ذاك هو مربط الفرس، فمن أجل أن يتفاعل التلفزيون مع كل هذه التغيرات، هو مطالب بسرعة التكيف مع خوارزميات البيئة الرقمية ومع تيار الذكاء الاصطناعي الجارف، بل يجب أن يحاول استثمار ما تتيحه هذه البيئة من إمكانيات تقنية هائلة على مستوى الصوت والصورة والنص، وأن يطور مضامينه الإعلامية لتواكب وتيرة الحياة الجديدة، حتى يقدر على المنافسة وحتى يستمر في أداء وظائفه المنوطة له. هل تعتقدين أن هناك استراتيجيات معينة يجب على التلفزيون اعتمادها لتجديد أدواته وإبداع محتواه بهدف جذب المشاهدين وتحقيق الفائدة العامة؟ الأمر لا يقتصر على تسطير استراتيجيات هكذا، بل يجب تبني سياسة عمومية شاملة تعيد بناء أدوار وسائل الإعلام تجاه موضوع القيم، وتشرك جميع الفاعلين من الآباء والمربين إلى المهنيين صناع المحتوى، وتأخذ بعين الاعتبار رهانات السياق الرقمي والتحولات المواكبة له. كيف يمكن للتلفزيون أن يساهم في مواجهة الفلتان القيمي الحاصل في المجتمعات اليوم؟ الفلتان القيمي أو أزمة القيم ليس من مسؤولية الإعلام أو التلفزيون وحده، بل هو مسؤولية كل وسائط التنشئة الاجتماعية التي تبني القيم وترسخها، وما التلفزيون إلا أحد هذه الوسائط التي يمكن لها أن تدافع عن منظومة قيم المجتمع عبر مضامين مختلفة، ومن بينها المضامين الدرامية، لقوة تأثيرها وقدرتها على جذب المشاهد. هل لديك أمثلة عملية على كيفية تأثير بعض البرامج التلفزيونية على تشكيل وتعزيز القيم الإيجابية في المجتمع المغربي؟ شخصياً، اشتغلت على تحليل مضمون برنامج "مداولة" الذي يبث على القناة الأولى، وعملت على حلقات سنة كاملة من البث، وقد اخترت هذا النموذج بناءً على معطيات ثلاثة. الأول هو أنه برنامج قديم جداً من حيث الحضور، والمعطى الثاني هو نسب المشاهدة التي يحصدها، والمعطى الثالث متعلق بالشكل الدرامي الذي يقدم به والذي يجعله قريباً من المشاهد وقد يجعله مؤثراً من خلال القيم التي يروجها داخل نماذج الأسر التي يقدمها والمشاكل التي تواجهها في علاقاتها البينية وفي علاقاتها مع المجتمع، والتي يفض نزاعها في النهاية داخل جلسة المحكمة، في إشارة إلى دور القانون في تعزيز القيم الأسرية والاجتماعية والدفاع عنها، وهو انطباع جيد يعطيه البرنامج للمشاهد حيث أن القانون يحمي قيم الأسرة المغربية من التفكك ويحافظ على مصالح أفرادها، علماً أن القانون هو أيضاً قيمة القيم. ما هي التوصيات التي تقدمينها للمسؤولين في صناعة الإعلام والتلفزيون لتعزيز دورهم في بناء قيم إيجابية في المجتمع؟  لا أحبذ كلمة "التوصيات" لأنها ترتبط عندي بنهاية الأشغال والمؤتمرات التي تختتم بكلام كبير يسمى توصيات وينسى بعدها دون تطبيق، هي فقط أفكار، إذ يجب أن يقتنع المسؤولون في القطاع، سواء كانوا سياسيين أو مهنيين، بأننا نعيش في عصر يعاني من أزمة في القيم، وهو توصيف يتفق عليه علماء الاجتماع والفلاسفة، وقد زادت هذه الأزمة بفعل التحولات الاجتماعية والثقافية الكبرى، لذا يتوجب على المجتمع اليوم إيجاد مداخل تربوية لمواجهة أي انفلات قيمي قد يؤثر على هويتنا الثقافية والاجتماعية، ويؤثر على تماسكنا الاجتماعي، فالقيم هي التي تعزز التماسك الأسري والاجتماعي حيث يجب على التلفزيون أن يبتكر مضامين جذابة ومشوقة للجمهور، وأن يكون في نفس الوقت حاملاً لمضامين قادرة على تغيير الذهنيات والسلوكات وإنتاج القيم.

مشاركة :