ليس غريباً ما صدر عن معظم قادة الإخوان منذ الإطاحة بمرسي، من تصريحات تزدري الوطنية، وتحقّر القومية العربية، إذ هي انعكاس لفكر سيد قطب الهدّام، ونتيجة حتمية لثمار عقيدته المسمومة ضد المجتمعات والأوطان.. استبق الإخوان المسلمون الإعلان رسميًا عن اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين بلادنا ومصر، بإعلان رفضهم -ببيان نُشر على موقعهم- لأي خطوة تتضمن ما اعتبروه تنازلًا من السلطات عن أراض مصرية، في محاولة بائسة ويائسة لإثارة الفتن، والتشويش على الزيارة، أملاً في عدم إتمام الاتفاق؛ لأسباب تتعلق بخسارتهم منطقة سيناء التي عاثوا فيها فسادًا بعد أفول حكمهم، فأصبحت ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية التي تحظى بحمايتهم.. ومما جاء في البيان قولهم: ".. حديث الحدود ومقدرات الشعب المصري أصبح الآن في الغرف المغلقة، وآخرها الحديث عن الحدود المائية وإعادة ترسيمها فيما يخص جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، بما قد يؤدي إل التفريط في مقدرات أخر للشعب المصري، بالعمل على التوقيع عل اتفاقية ترسيم حدود المياه الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية، وذلك من أجل المزيد من الأموال والدعم السياسي، بما يصب لصالح دعم المصالح الخاصة ودعم سياسات القتل والتنكيل وإهدار الكرامة.. إن الإخوان المسلمين يعلنون بوضوح أنه لا يحق لأحد التفريط في مقدرات وثروات الشعب المصري مقابل حفنة من الأموال"! بغض النظر عن موافقتهم أو معارضتهم للاتفاق المتعلق بأرض ليست أصلاً ملكهم حسب الوثائق والمكاتبات بين البلدين منذ سنوات عديدة، فإن مما يثير الدهشة هو ما ظهر في مواقعهم من حمل راية الدفاع عن أرض الوطن المصري (وبعض هذه المواقع ما يزال يتضمن نصوصاً تعتبر "الوطن وثن" و"أرضه حفنة من تراب عفن"، حتى أن المرشد الأسبق صرح علناً بأنه يقبل أن يحكم مصر ماليزي مسلم على أن يحكمها مصري قبطي)! هذا الشعور الوطني المفاجئ من قبل الإخوان يثير كثيراً من الدهشة، وهم الذين ورثوا عن كبيرهم سيد قطب عقيدة ازدراء الوطن، لكن الدهشة سرعان ما تتلاشى عندما يتضح أن الغاية عندهم تبرر الوسيلة، وهذا دأبهم منذ أن وجدوا! ازدراء الوطن ليس جديدًا فى الفكر الإخوانى، إذ ترجع جذوره إلى معلمهم الأول سيد قطب في كتابيه (معالم في الطريق) و(في ظلال القرآن).. فمن أجل قتل الولاء والانتماء للوطن فى نفوس المصريين، يحقّر فى كتابه (فى ظلال القرآن) ص 105 من شأن الوطن والوطنية، فيزعم أن الوطن "ليس أكثر من قطعة طين"، كما يزدري جنسية البلد التي يحملها الإنسان فيصفها بأنها "نتن عصبية النسب"، ويفرق بين انتماء المسلم لدينه وانتمائه لوطنه، زاعماً استحالة الجمع بينهما فى قلب المسلم، محولًا الوطن والقوم والأهل إلى مجرد "كلأ ومرعى وقطيع وسياج"، وبالتالي فإن كل من يشعر بالانتماء للوطن والأهل والأرض فهو أشبه في نظره ب"السائمة"! وتبعاً لعقيدة ازدراء الوطن، يحض أتباعه في الكتاب نفسه ص 707 على عدم القتال دفاعًا عن الأوطان فيقول: "إن المسلم لا يقاتل لمجد شخص، ولا لمجد بيت، ولا لمجد دولة، ولا لمجد أمة، ولا لمجد جنس، وإنما يقاتل في سبيل الله"!! وفي كتابه الآخر (معالم في الطريق) يقول: "إن الوطن ليس أرض مصر، وإنما الوطن هو الدين الإسلامي، وإن الأرض المصرية ليست سوى الطين والسكن"!! ثم يلح على عقول اتباعه بعدم الانتماء للمجتمع، والوطن المصري المقيمين فيه، بعد اتهامه بالجاهلية ودمغه بالكفر، فيقول في ص 56: "أن يخلع كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولاءه من التجمع الحركي الجاهلي الذي جاء منه، ومن قيادة ذلك التجمع سياسية واقتصادية واجتماعية، وأن يحصر ولاءه في التجمع الحركي".. ويبلغ ازدراؤه الوطن قمته، فيدعو المسلمين صراحة إلى عدم الدفاع عن الوطن في مواجهة الأعداء، وعدم المشاركة في بناء الوطن أو مده بخبراتهم ونشاطهم. ويترسخ الفكر القطبي المناهض لفكرة الوطن والانتماء إليه، فنجد في ثمانينيات القرن الماضي أحد كوادر الإخوان -وهو القاضي عبدالجواد يس- يعيد تأكيد هذه الدعوة المتأصلة إلى نبذ الولاء الوطني، وذلك في كتابه (مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة)، وفيه يزعم وجود تعارض بين الوطنية والإسلام، فالوطنية "مبدأ وتصور جاهلي"، وينكر هذا المؤلف الإخواني أن يعمل المصريون على تقدم بلدهم فيقول في ص 180: "وما هكذا تصاغ المسألة في الإسلام - فالهدف في الإسلام هو إنشاء المجتمع الرباني.. أما الهدف هنا فهو مجد مصر"! ويقول شكري مصطفى زعيم جماعة التكفير والهجرة التي اغتالت وزير الأوقاف عام 1977 في التحقيقات: "إذا اقتضى الأمر دخول اليهود أو غيرهم، فإن الحركة حينئذ ينبغي ألا تبنى على القتال في صفوف الجيش المصري، والهرب إلى أي مكان آمن.. إذ خطتنا هي الفرار من العدو الوافد تماماً كالفرار من العدو المحلي وليس مواجهته"، ودعا أتباعه إلى أن يُفسدوا أسلحتهم إذا أُجبروا على القتال!! لهذا ليس غريباً ما صدر عن معظم قادة الإخوان منذ الإطاحة بمرسي، من تصريحات تزدري الوطنية، وتحقّر القومية العربية، إذ هي انعكاس لفكر سيد قطب الهدّام، ونتيجة حتمية لثمار عقيدته المسمومة ضد المجتمعات والأوطان. وقد جاءت وثيقة لخيرت الشاطر، أصدرها عام 2005 تحت عنوان "فتح مصر" تطبيقاً حرفياً لمزاعم سيد قطب عن تكفير المصريين، ووجوب إعادتهم للإسلام بواسطة جماعته. أما صفوت حجازي، فقد دعا في اعتصام رابعة إلى إدخال مصر في دائرة إمارات إسلامية عاصمتها القدس وليست القاهرة.. لهذا خاطب محمد بديع، رئيس حماس إسماعيل هنية قائلاً: "كنت أود أن أراك رئيساً لوزراء مصر"، بل ووعد الفلسطينيين فى حركة حماس بإعطائهم أولوية التوطين فى أراضي سيناء، ومنح خمسين ألفاً منهم الجنسية المصرية! ومازلنا نذكر ما أعلنه عضو مكتب الإرشاد محمد عبدالمقصود، أثناء احتفالات أكتوبر 2012 من نهاية "زمن مصر للمصريين"،إذ تؤكد هذه المقولة أن الإخوان يعتبرون مصر وثرواتها ملكاً لأي إخواني، سواء أكان ماليزيًا أم تركيًا أم غزاويًا أم سودانيًا.. فمن الذي كان يفرط بحقوق مصر وشعبها؟ أما تآمرهم على بلادهم، فيتضح في دعوة يوسف القرضاوي في إحدى خطب الجمعة، القوى الأجنبية إلى التدخل لإعادة مرسي والإخوان للحكم، وردد خطباؤهم في اعتصام رابعة: أبشروا بنزول 7000 من جنود المارينز الأميركان في السويس، وسط صيحات "الله أكبر" من قبل الإخوان المتجمعين في ذلك الاعتصام.. فأي خيانة وتآمر على الوطن أعظم من ذلك؟ إن الإخوان الذين يتباكون اليوم على الأرض المصرية، رفضًا لإعادة الجزيرتين السعوديتين لأصحابها، لم يكن لديهم هذا الشعور نحو الأرض المصرية التي اتهموا الرئيس المصري بالتفريط فيها، عندما أعلنوا عن استعدادهم للتنازل عن حلايب وشلاتين في جنوب مصر لحليفهم في السودان، واستعدادهم منح حماس حوالي ثلاثة كلم من شمال سيناء، بدعوى "هم منا ونحن منهم".. على حد قول مرشدهم مهدي عاكف. بل بلغت الخيانة الوطنية أوجها، في العام الذي حكموا فيه مصر، بتنازلهم سرًا لإسرائيل وتركيا عن الحقوق الوطنية لمصر في حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسط، وزادوا على ذلك بالموافقة على التنازل رسميًا، وعدم المطالبة مستقبلًا بحق الشعب المصري في هذه الحقول التي تكفي احتياجاتهم لعشرات سنين قادمة.. وهنا نتساءل: هل يتساوى الوعد بمنح ثروات وطنية، وأجزاء من الأرض المصرية، وتوطين غير المصريين، ومنحهم الجنسية المصرية، بإعادة جزيرتين لا يملكونهما لأصحابها، وكانتا كل تلك السنين غير مأهولتين؟ ومن الذي كان يريد التفريط بالأرض وثروات الشعب المصري لو قُدر له البقاء في سدة الحكم؟ وبهذا تتضح معالم العقيدة الإخوانية التي أرساها كل من حسن البنا وسيد قطب، التي لا تعترف بمصر وطناً لهم، بل كانت مصر -في تطبيقات إخوان اليوم لهذه العقيدة وما تزال- قاعدة وركيزة لتحقيق الحلم الإخواني للسيطرة على المنطقة انطلاقاً من مصر، وأن التنازل عن حقوق مصر لصالح تركيا وحماس، وربما داعش لو استمر لهم الأمر، هو عمل يتفق مع أهداف الجماعة المدمرة للأوطان. كل ذلك وغيره الكثير من تصريحات وكتابات الإخوان ترجع إلى أساس عقائدي يسعى إلى تخريب المجتمع وهدم كياناته، بزعم أن الولاء لا يكون للوطن ولا للأهل والأرض، بل للمرشد وللجماعة التي تنتمي لفكرهم، إلى غير ذلك من الأفكار الهدامة والمدمرة للدولة والمجتمع والإنسان على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. فهل بعد هذا القدر من السقوط في مستنقع الخيانة الوطنية، نندهش من اعتلاء الإخوان صهوة الوطنية الزائفة، وركوبهم موجة التخوين والتشويش؛ لتعكير الأجواء وشحن الغوغاء وذوي المآرب، والمواقف المشبوهة. ختاماً بقي أن نسأل: ما موقف إخوان الداخل من تلك الحملات الموجّهة والمغرضة ضد بلادنا، من كبرائهم الذين علموهم السحر، وما زالوا على آثارهم سائرين؟
مشاركة :