تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر نصوصاً صوتية وغير صوتية لأشخاص يبثون من خلالها مشاعر الكراهية، والتحريض على الكتّاب والصحفيين، تلك النصوص ليست سوى معول من معاول الهدم لتفتيت الوحدة الوطنية، التي نحن الآن أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى تقويتها، والنأي بها عن ذلك الخطاب الذي يزعم صانعوه أنه حق؛ في حين أنه باطل محض. على الرغم من كثرة الاتهامات التي توجّه للكتاب، بلا أدنى دليل، فإنه لم يحدث أن قُبض على كاتب أو صحفي متورط في العمالة للخارج، أو التآمر على الوطن، أو تحريض الإرهابيين، أو حثهم على التظاهر، أو إنشاء هاشتاقات لنصرة العاني، أو تأجيج الفتنة.. وقد ظهر في الأسبوع الماضي وسم في تويتر عنوانه: إعلاميون_يخدمون_أعداءنا، يتهم واضعه الكتاب السعوديين بخدمة أعداء الوطن؛ وما ذاك إلا لأنهم انتقدوا ممارسات بعض رجال الهيئة، لقبضهم على دمية أحد المتاجر، وسحلهم فتاة في شارع أحد الأسواق التجارية، وقبضهم على إعلامي مشهور! فإذا كان الكتاب حسب زعمهم يخدمون أعداء الوطن عند انتقادهم بعض رجال الهيئة، فهل خدم الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- الأعداء عندما انتقد تجاوزات بعض أعضاء الهيئة العاملين في الميدان، برسالة وجّهها إلى رئيس الهيئات في جدة بسبب شكوى مقيم عربي من تعديهم على زوجته، بقوله: "... وأرجو بعد الاطلاع عليها وصية الهيئة في جدة وغيرها بالرفق والأسلوب الحسن في إنكارهم المنكر، ولا سيما "كشف الوجه" من المرأة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. ولا يخفى أن كشف الوجه "محل خلاف" بين أهل العلم وشبهة، فالواجب الرفق في إنكاره، والدعوة إلى الحجاب بالأسلوب الحسن من دون حاجة إلى طلب الجواز أو الإقامة، أو إركابها السيارة إلى المكتب"؟ وهل خدم أعضاء مجلس الشورى أعداء الوطن عندما صوتوا بالأغلبية على مطالبة عضو المجلس عبدالله السعدون هيئة الأمر بالمعروف تحديد المنكرات، بمشروع قرار "للقضاء على الاجتهادات التي قد تنشأ عنها بعض السلبيات في عمل الهيئة، بوضع منهج عمل ضمن دليل إرشادي للعاملين في الميدان، يحدد المنكرات التي تتطلب التدخل من أعضائها"؟ وهل فعل ذلك رئيس هيئة حقوق الإنسان عندما صرح بأن "مطاردات أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تتكرر من حين لآخر، وتبنى على اجتهادات من الفرق الميدانية، تسيء إلى سمعة الجهاز، بالإضافة إلى سمعة المملكة، خاصة إذا كان فيها انتهاك وتعد على حقوق الأفراد، في ظل انتشار وسائل التواصل الحديثة"؟ ولم تكن هذه المرة الأولى لتي يُتهم فيها الكتاب، فبعد أن راجت مقولة زوار السفارات التي أطلقها أحدهم، ولم يسلم منها أحد من الكتاب، خرج متطرف آخر بوصف الكتاب بالتصهين (هكذا) دون أن يرف له رمش جراء التهمة التي ألصقها بكل الكتاب لشيء في نفسه، حتى باتت مقولته تلك مدعاة للتندر من فئات كثيرة في المجتمع، كذلك في الكوميديا التلفزيونية.. ولا غرابة في ذلك، إذ ليس أسهل من قذف الآخر بتهم مختلقة عند العجز عن مقارعته الحجة بالحجة، لإسقاط ما في أنفسهم على الآخرين. ومن المفاهيم التي يجدر بنا مناقشتها هنا، أولاً فيما يخص نقد أداء بعض رجال الهيئة: فإنه لم يرد في مرسوم تأسيسها ما ينص على قداستها، أو التحذير من نقدها، فهي ككل المؤسسات الحكومية التي لها مساس مباشر بحياة المواطنين، من حقهم انتقاد ما يصدر عن أعضائها من ممارسات ظالمة في حقهم، لاسيما أنها كثرت وتعددت ضحاياها. ثانياً فيما يخص الكتّاب، فإنه على الرغم من كثرة الاتهامات التي توجه لهم، بلا أدنى دليل، فإنه لم يحدث أن قُبض على كاتب أو صحفي متورط في العمالة للخارج، أو التآمر على الوطن، أو تحريض الإرهابيين على العبث بأمنه، أو حثهم على التظاهر، أو إنشاء هاشتاقات لنصرة العاني، أو تأجيج الفتنة وإغراء الشباب بمخالفة توجيهات ولي الأمر بعدم الذهاب إلى بؤر الاقتتال، كما لم يثبت أنّ كاتباً أو صحفياً واحداً شارك في ملتقيات تنظيم الإخوان ومؤتمراتهم (كمنظمة فور شباب)، و(ملتقى النهضة)، وقد أشارت مواقع كثيرة بالصوت والصورة إلى ما دار في تلك الملتقيات، ومن شارك فيها، ومن كان يُجهز لتولي الحكم في حال نجاح ثورتهم التي كان يخطط لها شخص ظهر تسجيل له وهو يروي ذلك لزعيم عربي أفضى إلى ما قدم.. فمن الذي يخدم الأعداء؟ إن هذا الاستعداء الممنهج على الكتّاب يتجاهل أن الملك عبدالله -رحمه الله- خصهم بالذكر في أحد خطبه، وشكرهم بعد العلماء مباشرة بقوله: "ولا أنسى مفكري الأمة وكتّابها الذين كانوا سهاماً في نحور أعداء الدين والوطن والأمة".. فكيف يأتي من يشكك في وطنية الكتّاب، تلك الوطنية التي يستشعرها كل المخلصين من خلال ما يكتبونه دفاعاً عن الوطن، وحماية لأمنه ووحدة مواطنيه؟ فقد كتبوا عن الإرهاب والإرهابيين، منذ بدايات إرهاب القاعدة، وصولاً إلى إرهاب داعش، كما كتبوا عن التآمر الممنهج ضد بلادنا من قبل إيران وعملائها في المنطقة العربية، ودافعوا عن قرارات المملكة في السلم، وفي الحرب ضد الحوثيين.. فلم يثبت عن الكتاب مجتمعين أن خالفوا نهج الدولة، أو كتبوا عمّا يخالف سياساتها، أو انتظموا في أحزاب تعمل على زعزعة أمنها، بالدعوة إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي ذهب بعضهم للتظاهر في مصر دعماً للإخوان الذين لم يخفوا أطماعهم في بلادنا، ولم يُنقل عن الكتّاب التبشير بقدوم دولة الخلافة التي تُرى أعلامها تلوح في الأفق؟ فمن الذي يخدم الأعداء، الكتّاب الذين ينتقدون ممارسات بعض أعضاء الهيئة المسيئة للوطن، أم المدافعون عن عنف الهيئة الذي تناقلته وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الأجنبية؟ تلك التي ما انفكت تحرّض على بلادنا، وظل الإعلام الغربي يروّج لفكرة وقوفها خلف تنظيمي: "داعش"، و"القاعدة"، على الرغم من أنها لم تسلم من إرهابهما، كما استغل الغربيون عاصفة الحزم لتشويه بلادنا، واتهامها بقتل الشعب اليمني وتجويعه، بينما يتجاهلون جرائم الحوثيين وحلفائهم، وجرائم بشار وإيران في سورية. لا أبالغ عندما أقول إن حوادث الهيئة الأخيرة وجد أعداؤنا فيها مادة دسمة للنيل من بلادنا حيث أزعجتهم قوتها دبلوماسياً وعسكرياً. المؤلم أن ينساق مع هذا الطرح بعض أساتذة الجامعات عبر حساباتهم في تويتر، أولئك الذين ينبغي أن يكونوا قدوة لطلابهم في الحرص على الصدق والموضوعية وتحري الدقة وتجنب الخطل.. غرد أحدهم ساخراً: "إنه ليس من حق الليبرالي الاعتراض على انحشاره في شنطة سيارة الهيئة، لكن من حقه المطالبة بتوسعتها في دفعة السيارات الجديدة!" فأي منطق هذا؟ كذلك بعض خطباء الجمعة، حيث اتضح أن الإعداد للنيل من الكتّاب في خطب يوم الجمعة الماضي كان مخططاً له، وإلا كيف نفسّر خطبة أقل ما توصف به أنها خطبة الإفك، نظراً لما ورد فيها من ألفاظ يخيّل لسامعها أنه يتحدث عن أعداء يتربصون بالوطن، وليس عن مواطنين ومسلمين مثله! يحدث هذا في أحد المنابر التي خصصها الله لذكره "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله"، لكن بعضهم يصر على أن يحرف منبر الجمعة عن تلك الغاية النبيلة، ليجعله وسيلة لبث الفتنة والاستعداء على فئة الكتّاب؛ إذ وصفهم بأقذع الأوصاف، واستمطر السماء عليهم بدعاء لا يمكن أن يصدر عن مسلم تجاه أخيه المسلم. وإنك لتصعق ويأخذ منك العجب كل مأخذ عندما تسمع كلمات من نحو: "أخذهم أخذ عزيز مقتدر، ونحو جمّد الدماء في عروقهم، واجعلهم يتمنون الموت فلا يجدونه"! لا خلاف أن من مقاصد الإسلام تهذيب الأخلاق والسلوك، وتنقية المشاعر، ونشر المحبة ولكن هناك آفةٌ تعرِض لهذا المبدأ العظيم، تلك آفة السباب واللعان، خصلة لا تليق بالمؤمن العادي فما بالنا بخطباء المساجد والجمعة على وجه الخصوص، أين هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا البذيء"، وقول الله تعالى: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً"، وقوله: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا"! ولا أدري ما موقف وزارة الشؤون الإسلامية من تلك الخطب التي استنفرت لها معظم مساجد بلادنا الأمر الذي لم يحدث عندما استهدف إرهابيو القاعدة وداعش أمن بلادنا. أخيراً؛ لقد كتب الكتّاب ما يقارب الستين مقالاً في عدة أيام، في كل الصحف الرسمية، فهل تخدم تلك الصحف أعداء الوطن؟ ثم إن كان ثمة من يخدم الأعداء فما هو موقف وزارة الإعلام من تلك الصحف وكتابها؟ وكيف لم تمنع تلك المقالات ولم توقف الكتاّب؟ إنه ليس أسهل من رمي التهم جزافاً بلا حجة في أسلوب يتنافى مع تعاليم الإسلام. ومن تلك المقالات: الدين ليس عبادة فقط.. تحسين الصورة يصطدم بأخطاء الميدانيين.. إلى رجل الهيئة: أترضاه لأهلك؟.. جهاز الهيئة بحاجة إلى المراجعة.. الهيئة تصرفات تجاوزت الحدود.. الهيئة العمل من دون لائحة تنفيذية يعرضها للكثير من المشكلات.. تحول الهيئة من ثقافة الستر إلى ثقافة الفضائحية.. حول مكانة الهيئات الدينية.. مغردون يخدمون أعداءنا.. هاشتاق أحمق.. أمان.. الحسبة والحسّابة بتحسب.. الرجال لا يضربون؛ أشباههم يفعلون.. رجل الحسبة لا يحاسَب.. شماتة.. الهيئة حصص للملاكمة.. تأملات في مجتمع الفضيلة.. الهيئة بين الإغلاق وبقائها.. مطاردة الهيئة للفتاة هل كانت ضرورية؟.. هدّي اللعب يا هيئة.. فضيحة الهيئة.. لماذا ترضى الهيئة بأن تكون مستفِزَة؟.. أمن المواطن وخطر الهيئة.. محاولة اغتيال إعلامي سعودي.. العلياني وأتباع الشيخ المعصوم.. إلى الشامتين أنتم معرّضون للفضيحة أيضاً.. الفجور في الخصومة ردة أخلاقية.. لماذا (هم) يحاربون الهيئة؟.. اعتذار الهيئة لا يكفي.. الهيئة قضاة على قارعة الطريق.. الأمر بالمعروف بين ادعاء الستر والتشهير.. الهيئة العلاج من الخارج.. متلازمة الهيئة وسحل السحالي.. الهيئة وعلي العلياني والمريخ.. الاحتساب على الهيئة أمر دُبر بليل.. الشعب السعودي يحب خنّاقه.. انحنوا لجنود الهيئة احتراماً.. الهيئة وقطع دابر المتربصين.. المتجسسون وقيادة المجتمع لهاوية الصراع.. شعيرة الحسبة وسؤال الماهية.. أنا في وجيهكم اتركونا.. لعبة الترامي بالخيانة.. فتاة النخيل والإعلامي والقاتل.. وقفة مع حادثة النخيل.. التوحش ضد المرأة في ميزان الخطأ والخطيئة.. الهيئة وقضايا الخلوة.. الهيئة في بيوتنا.. تجسسوا وأوقعوا بالناس.. خذ راحتك اليوم: الهيئة مشغولة.. الهيئة عندما يراد لها الإسقاط..
مشاركة :