مَا كَانِتِ الْحَسْنَاءُ تَرْفَعُ سِتْرَهَا - د. حسناء عبد العزيز القنيعير

  • 2/28/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ما يحدث في لبنان في السنوات الأخيرة، يذكرني بقصيدة الشاعر خليل مطران، التي مطلعها: سَجَدُوا لِكِسْرَى إِذْ بَدَا إِجْلاَلاَ كَسُجُودِهِمْ لِلشَّمْسِ إِذْ تَتَلاَلاَ وقصة القصيدة تدور حول غضب كسرى على وزيره (بزرجمهر) فحكم عليه بالموت، وفي يوم تنفيذ الحكم هبّ الناس من كل حدب وصوب، ليشهدوا مقتل المصلح الكبير، وأقبل كسرى ملوحاً للناس وهو يجلس على عرشه، وحوله قادته، ويؤتى بالوزير يسوقه جلاده الذي أخذ ينادي هل من شافع للوزير؟ فيأتيه جواب الجموع: لا، لا.. ويلتفت كسرى نحو الجموع، فيرى فتاة جميلة تشق الصفوف في هيئة ومظهر يعده الفرس عاراً، فيرسل إليها من يسألها عن سبب مجيئها على تلك الهيئة، فيأتي جوابها حكمًا صارمًا يدين الحاكم المستبد الذي هو صورة أخرى لحسن نصر الشيطان، والشعب الخانع المستسلم، الذي تجرّد من رجولته: مَوْلاَي يَعْجَبُ كَيْفَ لَمْ تَتَقَنَّعِي قَالَتْ لَهُ: أَتَعَجُّباً وَسُؤَالاَ! أُنْظُرْ وَقَدْ قُتِلْ الحَكِيمُ فَهَلُ تَرَى إِلاَّ رُسُوماً حَوْلَهُ وَظِلاَلاَ فَارْجِعْ إِلَى المَلِكِ الْعَظِيمِ وَقُلْ لَه مَاتَ النَّصِيحُ وَعِشْتَ أَنْعَمَ بَالاَ وَبِقيِتَ وَحْدَكَ بَعْدَهُ رَجُلاً، فَسُدْ وَارْع َ النِّسَاءَ وَدَبِّرِ الأَطْفَالاَ مَا كَانِتِ الْحَسْنَاءُ تَرْفَعُ سِتْرَهَا لَوْ أَنَّ فِي هَذِي الجُمُوعِ رجَالاَ استبداد حسن نصر اللات في لبنان، وإمساكه بزمام الأمور لحساب أسياده المجوس، والصمت عن إرهابه الذي يمارسه في لبنان وخارجه، وتطاوله على بلادنا ببذاءته، يعيد للأذهان قصة الحسناء التي أبدت محاسنها، لأنه ليس ثمة من يجب إخفاؤها عنهم.. فلقد بلغ حدًا من الصلف والإعجاب بالرأي، والعمالة للفرس بلا حياء أو خجل، حدًا يتساءل معه العقلاء ألا رجل رشيد، يعيد للدولة هيبتها! سياسة الصبر والحلم، النابعة من المسؤولية والحكمة، جعلت بلادنا تحرص دوماًً على الحفاظ على أمن لبنان واستقراره ورخائه، على الرغم مما تقابل به من جحود ونكران ولا مبالاة، ناهيك عن الاستهداف الممنهج الذي دأب عليه أذناب الملالي للنيل من سيادة بلادنا وزعزعة أمنها.. إنه عندما يعتب الكبير فالأمر جلل، وعندما يغضب الحليم فإن السيل قد بلغ الزبى، والأمر جاوز الحدود، والشقّ اتسع على الراتق.. ومن هنا فإنّ سياسة الصبر والحلم، النابعة من المسؤولية والحكمة، جعلت بلادنا تحرص دوماً على الحفاظ على أمن لبنان واستقراره ورخائه، على الرغم مما تقابل به من جحود ونكران ولا مبالاة، ناهيك عن الاستهداف الممنهج الذي دأب عليه أذناب الملالي للنيل من سيادة بلادنا وزعزعة أمنها.. وحسب أحد الكتاب اللبنانيين الشرفاء، فإنه لم يسبق لبلادنا أن "صبرت على بلد صبرها على لبنان وأبنائه، فلم تقدم على خطوة وقف المساعدات المقرّرة لتسليح الجيش، ولشراء معدّات لقوى الأمن الداخلي إلّا بعدما طفح الكيل، لم يكن في وسع المملكة الصبر أكثر، كان عليها وضع اللبنانيين أمام مسؤولياتهم في وقت يعاني البلد من مشاكل لا تحصى، بدءاً بالفراغ الرئاسي الذي يفرضه حزب الله الطامح إلى تأكيد أن البلد كلّه رهينة لديه". يعلم الجميع في العالم كله، شرقاً وغرباً أنْ ليس في استطاعة الدولة اللبنانية المبعثرة القيام بأي عمل للجم حزب الشيطان، لنزع بلادهم من بين مخالب الملالي، فأن تظل القوى السياسية اللبنانية عاجزة عن اتخاذ موقف عملي وحاسم تجاهه، وترضى بأن تكون بلادها رهينة له ولرعاته المجوس فهذا شأنها، لكن الذي لن تقبل به بلادنا وشعبها هو ذلك الموقف المائع والمتخاذل وغير المبالي لما نتعرض له من إجرام الحزب وعملائه وأبواقه الإعلامية الضخمة التي جندت إعلاميين وسياسيين للهجوم علينا، وحسب الكاتب نفسه: "صار لبنان مكاناً تنطلق منه أجهزة إعلام وفضائيات يحميها حزب الله لا هدف لها سوى مهاجمة دول عربية معيّنة. لم يترك الحزب وأتباعه من جماعة ميشال عون أو من السياسيين المنتمين إلى مجموعة يتامى النظام الأمني السوري اللبناني مناسبة إلّا وتهجّموا فيها على دول الخليج العربي مع تركيز خاص على السعودية. صار هتاف "الموت لآل سعود" ملازماً للخطابات التي يلقيها الأمين العام لحزب الله". لقد انتهى زمن غض الطرف إلى غير رجعة، علاوة إلى أن المزاج الشعبي العام الذي ظل زمناً طويلاً يدعو إلى إيقاف المهازل التي نتعرض لها في لبنان، هذا المزاج سعيد اليوم بالقرار الذي اتخذته الدولة والذي نرجو ألّا رجعة عنه! كان بيان رئيس الحكومة اللبنانية في الاجتماع الوزاري الاستثنائي (بيان السبع ساعات) ضعيفاً متهافتاً عاجزًا عن الصعود إلى مستوى الحدث، فالكلام العاطفي والإنشائي الذي تضمنه لا يسمن ولا يغني من جوع، فبدا كالجبل الذي تمخض فولد فأرًا؛ إذ جوهر الإشكال العالق بيننا وبينهم لا يكمن في سياسة النأي بالنفس الانتقائية التي لا تكون حين يتعلق الأمر بسورية بشار ودولة الملالي، تلك السياسة التي لا شبيه لها سميتها في مقال سابق (النأي على الطريقة اللبنانية)! كان ينبغي أن يتضمن بيان (السبع الموبقات) الاعتراض على دخول حزب الشيطان طرفاً في حروب المجوس ضد العرب، في العراق وسورية والبحرين واليمن. وأن يكفّ الحزب عن إرسال الجواسيس وتجنيد العملاء وتخزين الأسلحة وتدريب المرتزقة في دولنا.. فهل يعلم رئيس الوزراء أن هناك شبكات شيعية أفرادها لبنانيون، تعمل في دولنا لصالح المخابرات الإيرانية وحزب الشيطان الذي يعبث بأمننا القومي، تمولها شركات ومطاعم ومحلات تجارية يملكها لبنانيون في أوطاننا وتدر عليه الملايين؟ ناهيك عن محاولة إغراق بلداننا بالمخدرات التي يصنعها الحزب النجس في لبنان على مرأى ومسمع من الحكومة اللبنانية.. وهل التضامن مع بلادنا يتعارض مع الوحدة الوطنية اللبنانية؟ وأين كانت تلك الوحدة ومن يتمسحون بها، وهناك حزب يهيمن على القرار اللبناني ويمنع انتخاب رئيس، ويلوح بسلاحه مهددًا عند أدنى خلاف؟ لكن لا عجب فالوحدة المزعومة لا تختلف في غرابتها عن سياسة النأي بالنفس! ثم ماذا عن الحملات الإعلامية الممنهجة والشعارات المقززة والهتافات ضد بلادنا؟ هل إدانتها من قبل الحكومة تتعارض مع الوحدة الوطنية؟ ثم لماذا لم ترَ الحكومة اللبنانية في ممارسات الحزب الإرهابية ضدنا، أعمالاً تستحق الإدانة وهو شريك فيها؟ فإذا كانت لم تقبل عبر مندوبها الذي أخذ الضوء الأخضر من رئيس الوزراء في اجتماع القاهرة، إدانته لأنه فصيل حكومي، كيف تغض الطرف عن أعماله الإرهابية ضد بلادنا؟ وهو لا يمثل نفسه بل يمثل الحكومة التي ينتمي إليها؟ لهذا لا أبالغ عندما أقول إن البيان لم يكن أكثر من شهادة زور، تغض الطرف عن الإشكال الحقيقي الذي يكمن في إجرام حسن نصر الشيطان تجاهنا. هناك من يدعونا إلى تفهم وضع اللبنانيين فيما يعانونه من بطش حزب الشيطان، لكن لماذا على دول الخليج أن تراعي مصالح لبنان التي كان عليهم هم أن يراعوها، وأن يلجموا ذلك الحزب الشيطاني العميل الذي لم يعد يهتم إلا بما تمليه عليه دولة المجوس؟ ألم يصرح أحد وزراء الحزب بعد الاجتماع الاستثنائي لمجلس الوزراء بقوله: (بين الاجماع العربي وبين إيران نحن مع إيران)؟! فأي قبح وسوء طوية أكثر من ذلك، وهنا نقول للوزير الهمام لم يبق إلا أن تعلنوا لبنان ولاية إيرانية، فمتى ستفعلون؟ لا أجد ما هو أكثر باعثاً على الضحك من قول وزير خارجيتهم: اللبنانيون يفضلون الوحدة الوطنية على الإجماع العربي! فأين هي تلك الوحدة الوطنية التي يبعثرها حسن نصر اللات صباح مساء؟ كذلك حديث حزب اللات عن ابتزاز لبنان من قبل الدول العربية! فعلى ماذا نبتزهم؟ أليس العكس هو الصحيح؟ كذا قولهم بلا استثناء: إن اللبنانيين هم الذين عمّروا بلادنا! وهذا ينطبق عليه قول الشاعر: كلٌ يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقرُ لهم بذاكا نحن عمرنا بلادنا بأموالنا فلم يأتنا أحد متبرعاً، بل أخذوا كامل حقوقهم وأكثر، ثم إن مساهمة اللبنانيين في الإعمار محدودة لا تكاد تتجاوز الخدمات العامة وصناعة الأغذية وبعض الأعمال الخاصة، أما البنية التحتية والمباني الكبرى والطرق والمشروعات العملاقة، فقد تمت بأيدي شركات غربية كبرى؛ ألمانية وبريطانية وسويدية وكندية وأميركية، وشرقية؛ كورية وصينية وهندية، وذلك منذ مطلع السبيعينيات. أخيراً هل يستطيع مجلس الوزراء اللبناني أن يضع حداً لحزب المجوس؟ هل سينسحب من التدريب والقتال في صفوف الحوثيين؟ هل تكف أبواقه عن الهجوم علينا؟ الواقع أن الدولة لن تستطيع عمل شيء لذلك البوق، لذا لا يسعنا إلا أن نقول من فرط عجبنا: حسن حزب الشيطان، افعل ما شئت إذ: لَوْ كانَ فِي تِلْكَ النِّعَاجِ مُقَاوِمٌ لَك لَمْ تَجِئْ مَا جِئْتَهُ اسْتِفْحَالاَ

مشاركة :