تعليق شينخوا: "عمالة قسرية" أم حمائية خفية؟

  • 6/1/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بينما يهتف السياسيون في واشنطن بشدة "أمريكا أولا" لاستمالة الناخبين، تظهر الولايات المتحدة، التي نصبت نفسها كـ"مدافعة عن حقوق الإنسان"، وجهها الحقيقي بشكل متزايد كمدافع عنيد عن أجندتها التجارية الحمائية. وفي أحدث عرض لهذا الوجه، حظرت إدارة بايدن الواردات من 26 شركة صينية أخرى بزعم ما يسمى بمخاوف "العمالة القسرية" في منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم بشمال غربي الصين. إن مثل هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة ليست أكثر من مجرد ذريعة لنوايا واشنطن الحقيقية التي لا يمكن ذكرها. ومع ذلك، أعطت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية دليلا عند إعلان الحظر، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تقدم "خطة لإنفاذ المنسوجات"، والتي قالت في وقت سابق إنها تهدف إلى "تكافؤ الفرص أمام صناعة المنسوجات الأمريكية". وتشمل الشركات المستهدفة حديثا تجار القطن ومنشآت المستودعات، التي يعمل معظمها خارج شينجيانغ. وتم بالفعل حظر جميع واردات القطن من شينجيانغ ومنتجاته النهائية منذ يناير 2021. ومع ذلك، فإن إدارة بايدن ليست صريحة بشأن حقيقة أن الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر مصدر للقطن في العالم، ستستفيد أكثر من الحظر المفروض على قطن شينجيانغ، الذي يمثل خمس الإنتاج العالمي وأكثر من 90 في المائة من إنتاج الصين. ووفقا لمصادر مطلعة على الصناعة، فإن ما يقلق واشنطن حقا هو تأثير الصين المتزايد في سلسلة صناعة القطن العالمية. وأظهرت بيانات رسمية أن إنتاج القطن في شينجيانغ ارتفع بنسبة 40 في المائة بين عامي 2014 و2020، مما يقض مضجع الولايات المتحدة، التي تتوق إلى الحفاظ على هيمنتها في سوق القطن الدولية. على الرغم من أن الصين لا تزال مستوردا صافيا للقطن، حيث تأتي معظم الواردات من الولايات المتحدة، فإن احتمال تقليل اعتمادها على القطن الأجنبي آخذ في الازدياد، حيث يؤدي الاستخدام الأوسع للآلات والتكنولوجيا الذكية إلى خفض تكلفة قطن شينجيانغ مع تحسن جودته. وأضحت الصين بالفعل أكبر منتج للمنسوجات والملابس في العالم. وقال إبراهيم هاشم، المستشار السابق لرئيس مكتب أبو ظبي التنفيذي الذي قام بزيارة لمدة ثلاثة أسابيع إلى شينجيانغ العام الماضي، للموقع الإخباري "Guancha.cn" إن العقوبات المفروضة على قطن شينجيانغ لا علاقة لها بما يسمى "العمالة القسرية"، ولكنها تستهدف سلسلة صناعة القطن في شينجيانغ، بما في ذلك قطاع المنسوجات والملابس. ولم يقتصر الأمر على القطن والمنسوجات التي وقعت ضحية للعقوبات الأمريكية. منذ توقيع ما يسمى بـ "قانون منع العمالة القسرية للويغور" في ديسمبر 2021، تم إدراج 65 شركة صينية في قائمة العقوبات، بدءا من المنسوجات والملابس إلى الزراعة والبولي سيليكون والبلاستيك والمواد الكيميائية والبطاريات والأجهزة المنزلية والإلكترونيات والمضافات الغذائية. وتعد الصين موردا عالميا رئيسيا في العديد من هذه القطاعات الصناعية. بالإضافة إلى القطن، تتمتع شينجيانغ بموطئ قدم كبير في الإنتاج العالمي من البولي سيليكون ومعجون الطماطم وتوربينات الرياح. وتتوافق محاولات تعطيل الدور الفريد الذي تلعبه شينجيانغ في هذه السلاسل الصناعية مع الممارسات الأنانية التي يمارسها بعض السياسيين الأمريكيين المتمثلة في "الانحدار" في المنافسة الصناعية العالمية باسم "الصعود". من خلال إجبار الشركات على التخلي عن منتجات شينجيانغ أو تبديلها، تشوه الولايات المتحدة بشدة العلاقات التجارية الدولية الطبيعية، وتسبب فوضى في سلاسل التوريد العالمية. وبموجب الرسالة الكاملة لما يسمى بـ"قانون منع العمالة القسرية للويغور"، ستخضع نحو مليون شركة بين حوالي 10 ملايين شركة في جميع أنحاء العالم تشتري أو تبيع أو تصنع أشياء مادية، ستخضع لإجراءات الإنفاذ، وفقا لتقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الصادر في عام 2022 والذي استشهد بحسابات الصناعة. مثل "سيف ديموقليس" المعلق فوق رؤوس الشركات، زاد القانون المذكور بشكل كبير من تكاليف الامتثال. وقد رفضت الجمارك والسلطات الحدودية الأمريكية بضائع تقدر بمئات الملايين من الدولارات. وفي وقت سابق من هذا العام، ورد أن الآلاف من المركبات ذات العلامات التجارية الأجنبية قد احتجزت في الموانئ وكان لا بد من استبدال بعض الأجزاء قبل السماح لها بإكمال التسليم. غير أن إدارة بايدن اختارت تجاهل الصداع والخسائر التي تحمّلتها الشركات، في الوقت الذي لا تدخر جهدا لكسب الأصوات الأمريكية في عام الانتخابات هذا، حتى وإن كان ذلك على حساب الاقتصاد العالمي. عند إلقاء نظرة فاحصة على الصناعات الأساسية في شينجيانغ، تظهر رواية "العمالة القسرية" هشة وهزيلة، لأن أعمال حصاد معظم القطن في شينجيانغ تُنجز بواسطة الآلات، كما أن العديد من مصانع البولي سيليكون في المنطقة تعمل وفق منظومة مؤتمتة ورقمية فائقة، وهو أمر نموذجي في الصناعة كثيفة التكنولوجيا ورأس المال، ولا يستدعي الحاجة الكبيرة لوجود العمالة، ناهيك عن مزاعم "العمالة القسرية". وفي المقابل، فإن العديد من الصناعات المحلية التي تسعى الحكومة الأمريكية إلى عزلها عن المنافسين الأجانب لم تحرز إلا تقدما بطيئا في التحول والارتقاء، حيث تم التخلي عن الشركات لتغرق أو تسبح وسط منافسة شرسة، ما زرع استياء متزايدا بين الناخبين. إن ازدهار الصناعات يعتمد على أي شيء سوى الحمائية. فمثلا، فشلت التدابير الحمائية الأمريكية في صناعة الصلب على مدى العقد الماضي في وقف خسارة فرص العمل في الصناعة. وفي ديسمبر من العام الماضي، لم يكن أمام شركة الولايات المتحدة للصلب، وهي شركة شهيرة تأسست منذ أكثر من قرن، لم يكن أمامها من مفر سوى الموافقة على شرائها من قبل شركة يابانية لصناعة الصلب. من خلال استخدام عصا "العمالة القسرية"، تُضلل إدارة بايدن الأمريكيين على حساب رفاهيتهم. ولن تؤدي إعاقة التجارة إلا إلى زيادة التضخم بشكل أكبر، والذي لا يزال أحد أكبر التحديات المالية لـ80 في المائة من الناخبين الأمريكيين، وفقا لاستطلاع حديث أجرته صحيفة "فاينانشال تايمز". والأسوأ من ذلك، هو أن الاقتصاد الأمريكي يخاطر بفقدان فرص التعلم والتطور من خلال المنافسة العالمية. قد يكون من الآمن البقاء في جزيرة معزولة، ولكن مع مرور الوقت، قد يفقد المرء القدرة على الإبحار.

مشاركة :